فهيد العديم

تجربة «عميل» في «منشأة صحية»

السبت - 18 يونيو 2022

Sat - 18 Jun 2022

الساعة تجر عقاربها بكسل نحو الساعة الثالثة مساء، في يوم قائظ تكاد أن تشعر بأن الشمس تجلس في الكرسي المجاور لك، أصوات متداخلة تقترب من حافة الصراخ، كل من في صالة الانتظار (بقسم العيادات الخارجية) يقسم أنه أتى أولا؛ لكن هناك قوة خفية تتعمد تأخير دوره، الجميع يتمتم بكلمات بدايتها شتيمة مبطنة ثم يختمها بطلب الفرج من أرحم الراحمين.

العيادات كلها –تقريبا– في ممر واحد، وباب زجاجي يقف عليه «سيكورتي» يفصل العيادات عن المكان المخصص للانتظار، وهو على كل حال مكان ضيق جدا يحتوى على بضعة مقاعد لا تكفي لنسبة بسيطة من أعداد المراجعين مما حدا أغلب المراجعين أمثالي من الانتظار وقوفا بانتظار أن يأتي دوره، هذا الوقوف تحول إلى تكدس ظاهر مما جعل السيكورتي –وهو بالمناسبة شاب في غاية اللطف– أن يطلب من الواقفين الجلوس، ولأنه فعلا لا يوجد مقاعد للجلوس؛ فقد طلب منهم أن يذهبوا للمقاعد الموجودة في البهو وعندما يأتي دور كل منهم فإن الممرضة ستذهب للبحث عنه، لم يكن الطلب مقنعا للأغلبية، رغم أن البعض أدار ظهره متظاهرا بقبول الطلب، هنا أظن أن الحدث وصل للذروة، بضعة أشخاص احتجوا مما جعل حارس الأمن –الذي أجد له العذر في عدم معرفة الحد الأدنى للتعامل مع الجمهور– أن يطلب شخصا سماه (المسؤول) وأظنه مدير العيادات أو شيئا من هذا القبيل.

هذا المسؤول تعامل بتعال وفظاظة مع المراجعين (العملاء) فرفع من الاحتقان الموجود أصلا، ارتفعت وتيرة الصوت مما جعل المسؤول (يهدد) بتصعيد الأمر للجهات الأمنية لأن أحدهم أساء له شخصيا، تدخل بعض فاعلي الخير واحتووا المشكلة (بعلوم رجال) لاحظ أن من حاول احتواء المشكلة هو «العميل» وليس «مقدم الخدمة» وهنا أنا استخدم مصطلح «العميل» ومصطلح «مقدم الخدمة» لأن الجهات الصحية بدأت فعلا في خطوات «التحول» ولو أعدنا قراءة المشهد السابق من هذه الزاوية فإن ما حدث لا يعد خطأ فقط بل «كارثة» حقيقية، ببساطة أنت تستغني عن العميل وتدفعه –بإرادتك– للذهاب للمنافس، وتصرف المسؤول هنا يراه –هو– منطقيا؛ لأنه لم يدرك بعد ماهية التحول، وماذا يعني «العميل» لمنشأة تدخل منافسة شرسة مع منافسين يقدمون خدمة مماثلة ويسعون لإغراء عملائك لجذبهم، وأجزم أن هذه أكبر معضلة تواجه فكرة «التحول».

أعني تعامل مقدم الخدمة مع العميل بفكرة أنه موظف حكومي ورضا العميل من عدمه لن يؤثر عليه شخصيا –كجزء من المؤسسة– أو بالمنطق السائد (ما نقص من راتبي شيء!) ولهذا أقول إن التعامل مع الجمهور هو حجر الزاوية، وإن أصر المسؤول على التعامل مع العميل بنفس فكرة (الموظف الحكومي السائدة) فإن الأمر سيزداد صعوبة، كما يقول الراحل الدكتور غازي القصيبي –رحمه الله–: (محاولة تطبيق أفكار جديدة بواسطة رجال يعتنقون أفكارا قديمة هي مضيعة للجهد والوقت).

ولا أعني التحول يحتاج لأشخاص من خارج المنظومة؛ لكن ينبغي أن يؤمن نفس الأشخاص أن طريقة العمل تغيرت، ولا بد من تطوير «فكر» الموظف من حارس الأمن إلى المسؤول.

لو أعدنا النظر للقصة السابقة لوجدنا أن هنالك مشكلة صغيرة في البدء تم إهمالها، مما نتج عنها مشاكل متعددة ونتائج سيئة تراكمت ولم تحل، وعندما تدخل المسؤول لم يكن لديه حل لحظي ولم يتنبه للمشكلة التي تتكرر لديه يوميا، وعندما تدخل فإنه ذهب لمناقشة النتائج متجاهلا الأسباب التي أدت إلى هذه النتائج، ومن البديهي عندما تترك السبب وتذهب للنتيجة مباشرة فإن الحل لن يكون سليما بل سيزيد الطين بلة كما يقال، ولهذا أجزم أن حجر الزاوية في هذه المرحلة هي بتدريب العاملين –خاصة الذين يقابلون الجمهور– على كيفية التعامل مع العملاء؛ فالانطباع الأول مهم جدا لدى العميل، وربما موقف بسيط يفقدك عميلك الذي هو مكسبك –حرفيا– في المنشأة.

ولنختم هذه المقالة بتدريب خفيف: لو واجهتك المشكلة التي وردت في بداية هذه المقال (تكدس المراجعين وما تلاها من تطورات) ما هي الحلول التي تقترحها؟

قبل الإجابة تذكر: (ابدأ من السبب الأول للمشكلة وستكتشف أن ما تلاها لم يكن ليحدث لو أوجدت حلا للسبب الأول).

@Fheedal3deem