نسرين محمد عبدالسلام

«طول عمرنا ناكل وما صارلنا شي»

الاحد - 05 مايو 2024

Sun - 05 May 2024

كمختصة في سلامة الغذاء، وهو مجال يهتم بكل ما له علاقة بمأمونية الغذاء للمستهلك.. يصادفني الكثير من فئات المستهلكين، وبالرغم من سنوات عملي في هذا المجال إلا أنه من بين كل هذه الفئات هناك ثلاث فئات لم أستطع فهم ماذا يريدون؟ ولا كيف يفكرون؟ أو هل هم واعون بخطورة ما يفعلون؟
دعوني أحكي لكم عن الفئة الأولى وهي الفئة التي عنونت بها المقال ..فئة "طول عمرنا ناكل وما صار لنا شي" هذه الفئة أقف عاجزة عن استيعاب تفكيرهم.

والغريب أن أصحاب هذا الفكر منتشرون في كافة المستويات التعليمية والطبقات الاجتماعية ولا يمكن حصرهم في طبقة أو عمر أو مستوى تعليمي معين.

فمثلا: تنصح أحدهم عن منتج معين ضار أو طريقة تحضير معينة غير صحيحة.. فيرد بحدة بأنه لن يتغير وأن أباءنا وأجدادنا كانوا على ذلك وهو يتبعهم.. راميا بكل الملوثات والأمراض التي ظهرت مؤخرا والتحديثات العلمية والمجتمعة والصحية عرض الحائط. أحبابي أصحاب هذا الفكر.. لو فكرنا بنفس المبدأ.. هل يجب ان نسلم بأنه إذا لم يمرض الشخص يوما.. فإنه لن يمرض أبدا ..أو إذا لم يمرض أبوه فهو لن يمرض أيضا... ما الضمان على ذلك في ظل كل الملوثات المحيطة بنا؟
وأما الفئة الثانية فهي فئة "لا تقتل المتعة" وهؤلاء فئة تجد في نشر الوعي بين أفراد المجتمع قتلا للمتعة وتنغيصا للحياة، وأهم صفاتهم أنهم يتفننون في تهميش المواضيع الهامة وخاصة التي تتعلق بالصحة ونشر الوعي.

فمثلا: موضوع الشراء من الأماكن غير المصرحة أو القذرة أو من الباعة المتجولين الذين لا يطبقون معظم الاشتراطات الصحية يعتبر قتلا لمتعتهم، أحبابي أصحاب هذا الفكر.. المتعة لا تساوي الصحة، فصحتكم أهم وأغلى بكل تأكيد، ولا توجد متعة في الحياه بدون صحة واسألوا المرضى.

أما الفئة الثالثة "المشككون"، هي فئة جدلية تحاول تكذيب أي معلومة علمية موثقة وتشكك بها.

هذه الفئة من سماتها الاستشهاد بمصادر ضعيفة وغير علمية، وتحاول التشكيك في المعلومة بدون علم واطلاع.

ودائما يندفعون إلى حوار غير علمي وغير بناء. أتفق أن بعض المواضيع الغذائية جدلية وعامة ولكن الكثير منها مثبت علميا ومتخصص.

لذلك اسألوا أهل العلم وأصحاب التخصص. ناقل العلم عن معرفة وتخصص غرضه إفادة الناس وتوعيتهم، وليس ضررهم.. لذلك حاولوا أن تستفيدوا قبل أن تشككوا وتجادلوا، وأن تقرؤوا قبل أن تردوا. أحبابي "المشككين".. تذكروا أن هناك مدارس علمية مختلفة، وقد لا تتفق مدرسة معينة مع أخرى، وهذا أمر طبيعي في العلوم التجريبية.

فإذا كنتم مطلعين على الموضوع، أضيفوا إلى المعلومة بشكل يثري النقاش وابحثوا نقاط الاختلاف وناقشوها. أما إذا لم تكونوا متأكدين من معلوماتكم، فالصمت أبلغ من الكلام.

في الختام، في ظل الملوثات التي حولنا بكل أنواعها، فقط أريد أن أذكركم بأن الوعي بسلامة الغذاء لا يجب أن ينظر إليه كقيد على الحريات الشخصية أو كعائق للمتعة، بل كضرورة حيوية لحماية صحتنا وصحة أجيال المستقبل.

الاستهانة بأهمية الإجراءات الصحية والعلمية قد تؤدي إلى عواقب وخيمة.

إن مكان تناول الطعام قد يكون أحيانا أهم من نوع الطعام نفسه؛ لذلك يجب اختيار المكان النظيف والطعام الآمن، فلا فائدة من تناول وجبة متوازنة تم شراؤها من مصدر ملوّث.

يجب علينا جميعا أن نكون مستعدين لتبني ممارسات جديدة قائمة على العلم والمعرفة، متجاوزين العادات القديمة التي قد لا تكون دائما في صالح صحتنا.


nmma3@