قوز النكاسة!!

كان قوز النكاسة أشهر الأحياء العشوائية في مكة المكرمة.

الاسم الأصلي للحي هو «قوز المكاسة»، فالقوز هو المكان المرتفع والمكاسة جاءت من المُكس فالمكوس (الضريبة) كانت تؤخذ عنده كنقطة تحصيل للحجاج القادمين من اليمن.

وجاء ذكر «قوز المكاسة» في كتاب «سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي» لعبدالملك العاصمي المتوفى سنة 1111هـ. كما أشار كتاب «مكة المكرمة في شذرات الذهب للغزاوي» ص 148 إلى الاسم الأصلي مؤكدا أن البعض يخطئ فيقول: النكاسة، وصحة ذلك المكاسة بالميم وهو «مكان في أسفل مكة إلى طريق اليمن وكان به مركز جمركي قديم..» ولكن التسمية الحديثة للحي والمتداول على الألسن هو «قوز النكاسة».

على أي حال، سبق لي أن تجولت ميدانيا في الحي - قبل الإزالة - وبنظرة المتخصص أستطيع التأكيد على قدرة هؤلاء السكان في تشكيل بيئتهم العمرانية بمعزل عن الجهاز التخطيطي لكي تتكيف مع طبيعة المنطقة الجبلية، فعلى الرغم أن الحي يصنف كأحد المناطق العشوائية؛ إلا أن بيئته العمرانية لا يمكن وصفها بـ «البيئة الاعتباطية».

لقد ساهم العامل الجغرافي والظروف الطبوغرافية الصعبة في توفير بيئة ملائمة لنمو الحي، حيث تم البناء على الأراضي الشاغرة أو المشاعة، خلف الجيوب الجبلية بعيدا عن الرقابة البلدية.

وظهرت جليا رغبة السكان باستغلال المساحات لبناء الكتل العمراني على حساب المناطق المفتوحة؛ بل واستخدام المناطق ذات الانحدار الشديد في تكوين بيئاتهم العمرانية.

الكثير من الأسر اعتمدت على تطوير هيكل الوحدات السكنية لتحقيق الملاءمة الاجتماعية والرضا الوظيفي فالتوسع يكون رأسيا نظرا لقله الفراغات الأفقية المحيطة سواء من خلال إضافة الملاحق العلوية، أو الأدوار الإضافية.

تأثرت البيئة العمرانية بالخصائص الاجتماعية، فتجانس المجتمع ساهم في ظهور عدد الاستعمالات والأنشطة الفريدة التي ربما لا تجدها في حي آخر.

رأيت السكان وأصحاب البيوت يبيعون الأسماك والخضراوات والبعض منهم يبيع منتجات آسيوية.

أما المطاعم فتبيع منتجات غذائية بأسعار رخيصة تتلاءم مع القدرة الاقتصادية لسكان الحي. هذا يعني أن الحي وفر بيئة اقتصاد غير رسمي للسكان استطاعوا منها خلق مصادر دخل ذاتية.

راقبت ودونت تفاصيل ما شاهدته في الحي من مستنقعات صغيرة تكونت جراء تجمع مياه الصرف الصحي المتسربة من أنابيب الصرف التالفة أو من مياه الأمطار والتي تجمعت حولها القطط والحشرات.

شاهدت النفايات وهي تملأ العديد من الفراغات العمرانية بمخلفات المساكن ويصعب التخلص منها نظرا لطبيعة المنطقة الجبلية واحتياج ذلك إلى فرق هائلة من عمال النظافة الراجلين.

قوز النكاسة أو قوز المكاسة تم إزالته كليا مع مشاريع تطوير العشوائيات التي تشهدها المدن السعودية ولكن الإزالة وحدها لن تكون كافية تماما للتخلص من إشكالية العشوائيات وضمان عدم عودتها لاحقا.

لذلك، من الأهمية بمكان فهم العوامل التي أدت إلى ظهور المناطق العشوائية كي لا تؤثر الحلول أو البيئات العمرانية المستحدثة سلبا على أساليب المعيشة والظروف الاقتصادية والاجتماعية للسكان.

ختاما، فإن خطط تطوير العشوائيات لا بد أن تتواكب مع برامج التنمية المجتمعية والتي تقوم على أساس رفع مستوى التعليم والتدريب للسكان بما يسهم في نهاية المطاف في تحقيق الإدماج الاجتماعي ومكافحة الفقر والجريمة.


waleed_zm@