خالد العويجان

حصان الملك والنظام العالمي الجديد

الاحد - 05 مايو 2024

Sun - 05 May 2024


المقدمات مرهقة، والبدايات متعبة كذلك. أصاب بحالة من الارتباك في بناء أي نص يعتمد على فكرة واضحة المعالم، أقضي وقتا من الشتات في مقدمة أي مقال؛ أو مادة صحافية، المقالات تشبه الحروب، والقلم والحبر كالرصاص والقنابل، حتى الأخبار كذلك، الدخول في أي حرب سهل للغاية، لكن الخروج منها مكلف للغاية، قرارها عبارة عن كلمة، لكن ما بعد أن تضع أوزارها فلملمة الجروح تعيس.

والعالم الجريح ضحية قوي وأقوى، منطقة الشرق الأوسط هي المساحة الخصبة للمبارزة، تحولت مع الوقت إلى ميدان للصراعات الاقليمية والعالمية، لماذا؟ لأنها تفتقد إلى الصوت الراجح، بالإضافة إلى غياب ما يمكن وصفه برافعة حماية مسؤولة تعتمد على التنمية؛ على رغم امتلاكها كل أشكال المقومات، والنظر إلى صفحات التاريخ يثبت ذلك.

فانتشار الإرهاب الموصوف جاء على خلفية الحرب السوفياتية الأفغانية ارتد على المنطقة.

واعتداء صدام حسين على دولة جارة في الظلام قسم العالم العربي إلى نصفين.

وولادة حزب الله الإرهابي في لبنان كذلك. فتبني كذبة «المقاومة» المزعومة؛ أنتجت رفع صور حسن نصر الله زعيم الميليشيات اللبنانية في عدة عواصم عربية.

والانقلابات المتكررة في هذا الجزء من العالم؛ أسهمت في نشوء فكرة مع أو ضد في الأفق الضيق من الشارع العربي.

والشواهد كثر لكن المساحة لا تتسع لذكرها.

السؤال؛ من المستفيد من عملية خلط الأوراق تلك؟ الجواب: تجار السياسة والسلاح أول وآخر المستفيدين من تفرق الشمل. هذا بدون شك؛ وأحداث ما يسمى بـ»الربيع العربي» تثبت ذلك، إذ تبنت إدارة باراك أوباما في واشنطن الاصطفاف مع جماعة الإخوان المسلمين – وإن من وراء ستار – لخلق أكبر قدر من الفوضى، ليتسنى التجارة بالرأي والمشورة في إطار سياسي؛ ويمكن ربط ذلك بمشروع الشرق الأوسط الجديد الذي رسمته وزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك كوندليزا رايس.

هل من مستفيد آخر؟ نعم. في نظري حُماة النظام العالمي السائد، لماذا؟ لأنه يخدم مصالح السيطرة الكلية، وبالتالي ذلك يفسح المجال لأن يستحوذ الأقوى على ما يتيح له تعزيز فكرة القوة والسيطرة والنفوذ العالمي. لذا تضع الولايات المتحدة الأمريكية أنفها في كل جزء من هذا العالم الفسيح.

وبالمناسبة فأصل الحرب الباردة بين موسكو وواشنطن على مر السنين، كان قائم على فكرة ضرورة تغيير النظام العالمي.

فالأولى ترفض ما يخول للثانية كل شيء وتصورها على الدوام أساسا للنزاعات العالمية؛ والثانية تحاول دمغ الأولى بالتخلف والتفكك الناتج عن حالة ضعف سياسي؛ في محاولة منها لتفريغ موسكو من مضمونها التاريخي، من خلال تصويرها بالدولة الهشة المعزولة عن العالم الآخر، نظير نظام حكمها العتيد، وبالتالي هدفت لشيطنته أمام الرأي العام العالمي.

وحتى حالة المواجهة الإعلامية بين البلدين، التي نشأت في أعقاب نشوب الحرب الروسية الأوكرانية لها ارتباط بذلك؛ فقد استخدمت موسكو ورقة ضرورة تغيير النظام العالمي، كورقة أولى في الملفات السياسية، وخطاباتها في المنابر العالمية، في خطوة تسعى من خلالها لشحذ همم دول العالم الثالث للوقوف في وجه الولايات المتحدة، التي إكتوى أغلبها بنار السيطرة الأمريكية؛ كطريقة تحريضية سياسية ضد واشنطن.

في حقيقة الأمر، فإن النظام العالمي الذي يفرض منطق القوة والصوت العالي؛ فتح المجال لفكرة العربدة الدولية، التي جسدتها الولايات المتحدة الأمريكية، عبر استئجارها مساحة منذ عام 1903م من حكومة غير شرعية تستحوذ على جزء من الأراضي الكوبية، مقابل 4058 دولار سنويا، وأبرم بناء على ذلك؛ عقد غير قابل للفسخ!
هل تعلم يا صديقي ما ذاك الجزء؟ إنها قاعدة غوانتانامو، التي حولها جورج بوش الإبن لمعتقل زج به بكل المعتقلين اللذين استباحت أمريكا الأراضي الأفغانية -تحت عنوانه- بحثا عن أعضاء القاعدة ورموزها، بينما تعلم أجهزة استخباراتها عن وجودهم في الأراضي الإيرانية.

والأدهى من ذلك، وهذا في إطار ما يسمح به النظام العالمي، فاختيار ذلك الموقع لم يكن بمحض الصدفة، إنما له ما له من الخبث، إذ أن إدارة بوش الابن، اختارت ذلك الموقع، لحرمان المعتقلين مما يكفله لهم الدستور الأمريكي. كيف؟ لوجودهم خارج الأراضي الأمريكية، وربطت ذلك بوصفهم بـ «الأعداء المقاتلين» الذي يفضي إلى حرمانهم من حقوقهم القانونية.

لست بصدد الدفاع عن حقوق القابعين في ذلك المعتقل؛ إنما لنبش الحقائق التي تؤكد بما لا يدع للشك مجال، بأن النظام العالمي كحصان طروادة، الذي يمكن للجميع أن يمتطيه، وبالتالي تفتح الأبواب لسيادة القوة لا التوازي الذي تفرضه السياسة والقوانين الدولية.

إن العالم المصاب بكثير من الجروح والثقوب التاريخية، هو ضحية نظام يجب الوقوف بوجه المستفيدين منه بالدرجة الأولى، ومن ثم تغييره بآخر، يكفل حق العيش والحرية للجميع، ويُنهي فكرة سيطرة القوي والأقوى التي أسهمت في تفكك الأرض ومن عليها.

يذكرني محامو هذا النظام والمستفيدين منه؛ بمثل إنجليزي، يقول «كم من حمار» يعتقد في قرارة نفسه أنه أفضل من أحصنة - أو حصان - الملك!