هتون أجواد الفاسي

صور منسوجة لنساء الرياض

الأربعاء - 01 مايو 2024

Wed - 01 May 2024

هذه عودة أخرى إلى يوم المرأة العالمي كنت قد وعدت بها في مقالي السابق.

عودة ترتبط بمعرض «صور منسوجة» الذي وضعت قطعه الفنية فنانتان سعودية وأخرى فرنسية/سويسرية، دانيا الصالح وكاترين غفيللير Gfeller.

لم يكن هذا معرضا عاديا بأي حال.. ولا تأتي أهميته من كوني كنت إحدى شخصياته، ولكن من كونه معرضا يحتفل لأول مرة أو في مرة نادرة بصوت وصورة نساء الرياض بالتحديد. كان يوثق ويستعرض ويعيد إنتاج تاريخ الرياض نفسها من خلال تجارب النساء اللاتي عشن فيها.

احتفائية لم تكن في الحسبان وأنا أقرر الاستجابة لدعوة أو إعلان الفنانتين في يوليو 2023 عن رغبتهما في لقاء وتصوير ومقابلة نساء من سكان الرياض لغرض هذا المعرض الخاص الذي سوف يعرض في شهر مارس من عام 2024.

كما لم يكن في الحسبان أن تصبح المقابلة الفنية مقابلة شخصية وذاتية فتثير في النفس الكثير من المشاعر المتضاربة التي تقوم الفنانتان بالتقاطها وتوثيقها بكل احترافية وإبداع لتحويلها إلى علم آخر.. إلى فن آخر.

ولم يكن في الحسبان أن يكون الناتج هذا الزخم من صور النساء المتعددة المشارب وأصواتهن التي كانت تملأ المكان حكيا وحياة، أو حركتهن التي رصدتها الكاميرا كما كانت ترصد النظرة الثاقبة المواجهة والمواربة والتي كانت تجعل المرأة في كل لمحة والتفاتة، هي المحور والذات وهي المحرك، المؤثرة والمتأثرة.

ناتج جعل المكان، معرض الفن النقي، على اتساعه، يزدحم بالكلمات التي لم تُنطق وبالوجوه الصامتة المتأملة المتتالية على شريط فيديو.. الزحام يتكرر مع الأفكار ومع القصص والروايات، ومع التنوع في الأشكال والأعمار والألوان والصفات.. قصص هؤلاء النساء التي ارتبطت واختلطت وتأثرت وأثْرت في مدينة الرياض منذ سكنتها أول أو أكبر امرأة من السبعة والثلاثين اللاتي تمت مقابلتهن لهذه المهمة الفنية، كانت تترى هنا.

قصص الحزن والفرح.. الألم والمرارة.. الطرد والاحتضان.. الحب والكراهية.. قصص الحياة بكل تفاصيلها.. الرياض.. مدينة المتناقضات التي لطالما آلمت وأوجعت ثم لا نكف نعود إليها باشتياق ولهفة.

كان الناتج مذهلا.. نتاج كل فنانة من نفس المادة ونفس المقابلات والشخصيات التي جمعتاها من سيدات الرياض.. تحول عملا إبداعيا وبمنظورين مختلفين.

ووفق المقيمة الفنية للمعرض داليا شبارك Dalia Chabarek، فإن العمل الفني لهذا المعرض يقوم بحياكة هذه التجارب على شكل عناصر مرئيّة وسمعيّة مبتكرة نسيجا من الخبرات المشتركة، ومن هنا اختيار الاسم، «صور منسوجة وأحلام مدينة»/ Woven Portraits Dreamscapes of a City.

وفي الجلسة الحوارية التي تم الاحتفاء فيها بالمرأة في يومها العالمي من خلال هذا المعرض والتي شاركت فيها مع الفنانتين وإحدى شخصيات المعرض كذلك، أروى المنجّد، كان للأفكار فرصتها في الصياغة والمراجعة والمبادلة مع ميسرة الحوار المتمكنة ياسمين صبري.. وكانت المواجهة مع الذات دقيقة، لاسيما من خلال سؤال الانطباع وما يعنيه المعرض والمشاركة وهذا اليوم وما تعنيه الرياض.

الرياض لم تكن مدينة سهلة تعيش فيها النساء. كانت تحمل الكثير من التحديات لنسائها في كل يوم كنا نعيشه فيها. كان للتشدد دور كبير في التعامل مع ملف النساء، فلا يستسيغ إبداع أو فن ولا يقبل بمساحته ولا بفضائه.

ولفت نظري بينما الأمسية قائمة أمام ثلة من المهتمات والمهتمين بالفن وبعمل المرأة، أننا كنا نعقد هذه الجلسة الحوارية التي تحتفي بالمرأة الفنانة والمرأة الذات والمرأة الصوت والصورة في مدينة الرياض، إحدى أقسى المدن للعيش فيها في العقود السابقة حيث كان كل ما سبق يعتبر من التابوهات، وفي اليوم العالمي للمرأة الذي كان رصد ذكراه يمثل تحديا هو بدوره سواء إن كتبتُ فيه مقالي المعتاد حول ما تحقق وما تبقى من حقوق المرأة في السعودية في ذلك العام، أو احتفينا بالنساء من خلال أي نشاط خاص أو أكاديمي أو عام، والذي لم يكن دوما مرحبٌ به وكأننا نخوض معركة تغريب للمرأة في بلادنا، فإذ بنا اليوم في عالم آخر.. أكثر إنسانية وجمالا واحتراما للمرأة وإنجازها وإبداعها وعطائها.

مع الشعور بعدم التصديق أرى أنفسنا نقف نتأمل في الحاضر والماضي.. حياتنا اليومية أصبحت كلها عبارة عن تأملات لا تنتهي وفي الوقت نفسه لا نتوقف عن الغوص في إمكاناتها التي أصبحت متاحة أكثر من أي وقت مضى.

وفي برهة تفكّر أقول: لا يمكن للمجتمع أن يشعر بقيمة المنجز اليوم إن لم تكن له ذاكرة تعقد المقارنة وتعزز التمسك بالمكتسبات والاحتفاء بها والمحافظة عليها لتبقى إرثا وحقا للأجيال القادمة.