بسمة السيوفي

عن جائزة البوكر..

الثلاثاء - 07 مايو 2024

Tue - 07 May 2024


تشهد جائزة البوكر Booker Prize اهتماما كبيرا من القراء والنقاد على مستوى العالم، وتعد محطة رئيسة في مسار الكتاب والأدباء؛ لأنها واحدة من أرقى الجوائز الأدبية عالميا.

هي جائزة خاصة بالرواية حصرا، وتمنح سنويا لعمل واحد وتقدم لأفضل رواية منشورة خلال العام، وتعتبر علامة مرموقة في عالم الأدب؛ لأنها تشجع على الإبداع الأدبي وتسلط الضوء على أعمال الكتاب المتميزين، فالفوز بها يعطي الكاتب شهرة واعترافا دوليا عبر قيمة الجائزة وانعكاسها على مبيعات الرواية وترجمتها.

تأسست فكرة الجائزة منذ العام 1968م في بريطانيا.. لتصبح من أهم الجوائز الأدبية المخصصة للأعمال الروائية، ويتم اختيار أعضاء لجنة التحكيم من مجموعة منتخبة من النقاد والكتاب والأكاديميين، يتغيرون سنويا، وتتفرع من البوكر جائزتان عالميتان للرواية هما: جائزة بوكر الروسية التي تأسست عام 1992م، وجائزة كاين للأدب الأفريقي عام 2000م.. وفي أبريل 2007م تم إطلاق الجائزة العالمية للرواية العربية، التي يرعاها حاليا مركز أبوظبي للغة العربية التابع لدائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي بدولة الإمارات الشقيقة. ومن الجدير بالقول هنا أن الجائزة تحظى بدعم من مؤسسة «جائزة بوكر في لندن».. كما ذكر في موقع الجائزة الرسمي arabfiction.org.. على أنها الجائزة العالمية للرواية العربية.. إلا أن هذا ليس بتشجيع أو تأييد من مؤسسة جائزة البوكر.. فهي مؤسسة منفصلة ومستقلة تماما. والجائزة العالمية للرواية العربية ليست لها أي علاقة بجائزة البوكر.

ما أرغب تسليط الضوء عليه هو إعلان جائزة البوكر للرواية العربية أسماء الروايات المرشحة للقائمة الطويلة بدورتها للعام 2024، تبلغ قيمة الجائزة للرواية الفائزة 50 ألف دولار أمريكي، و10 آلاف دولار لروايات القائمة القصيرة.. ترشحت للجائزة في هذه الدورة 133 رواية.. تم ترشيح 16 رواية للقائمة الطويلة، وجرى اختيار القوائم من قبل لجنة التحكيم المكونة من خمسة أعضاء لا تكشف هوياتهم حتى موعد الإعلان عن القائمة النهائية، بغية الحفاظ على مصداقية الجائزة ومستواها.

دور أي جائزة تحظى بالتقدير الكبير والمصداقية هو العمل على ترسيخ هذه المصداقية حتى لا تتحول إلى موقف سياسي أو أيديولوجي أو تدخل في شبهة الانحياز لقضية.. مثل اللغط المحيط بمنح جائزة هذا العام 2024 لرواية «قناع بلون السماء» للكاتب الفلسطيني الأسير في سجون الاحتلال الإسرائيلي باسم خندقجي.

ولا بد من الإقرار أن هناك الكثير من الجدل والنقاش المصاحب لحيثيات وقرارات الجائزة.. وهناك انتقادات ساخنة حول انحيازها لبعض الأعمال دون أخرى ودور نشر دون أخرى... منها الجدل حول تأثير الجائزة على مسيرة الكتاب وتوجهات النشر.. وما الذي يجعل رواية جديرة بأن تدخل ضمن القائمة الطويلة أو تترشح للقائمة القصيرة؟ وما هي معايير الأصالة والإبداع وجودة الكتابة المعتمدة في التقييم؟ ما الذي يضمن الحيادية في ظل تبني فكر يعزز الأقلية بدعوى التنوع والشمولية؟ يتم الترشح للجائزة من قبل دور النشر فقط، وهو ما قد يكون مجحفا لبعض الكتاب!! وأن تكون الرواية مكتوبة بلغة عربية أصيلة وبأسلوب جمالي وفني متميز... كما يجب أن يتحقق الابتكار والجدة في موضوع الرواية بشكل يصور الشخصيات بعمق وواقعية وتشويق.

الكثيرون لم يجدوا غضاضة في فوز الرواية نظرا للشكل الفني المميز في الكتابة، ولثراء التداخل بين شخصيات الرواية وشعرية الخطاب السردي.. مما يؤكد على القيمة الأدبية للرواية.. إلا أنه من حق المثقف في الفضاء العربي أن يعرف حيثيات فوز الروايات المرشحة بالقائمة القصيرة على الأقل.. وربما يشارك في التصويت لفوز الرواية بعد قراءتها ومراجعتها نقديا، القارئ بحاجة لمعرفة أسباب فوز الرواية وتميزها عن غيرها.. وماهية معايير الاختيار بشكل معلن، لا بد لهذا الحدث السنوي أن يسهم في رفع الذائقة النقدية ونشر الوعي الثقافي وتطوير الحس الأدبي في العالم العربي الذي يكابد ويلات الخمول المعرفي والأمية الثقافية.. العالم العربي الذي ما زال ينتج روايات بالمئات ويتحدث عن «زمن الرواية» كما استشرف جابر عصفور.. بينما يتحدث الغرب عن موت الرواية وعصر الحداثة والذكاء الاصطناعي في ظل وجود أجيال تتهاون بالقراءة.

يقال أن هناك أكثر من 300 رواية سعودية تصدر سنويا.. تتلقفها دور النشر إما داخليا أو خارجيا.. للطبع، والنشر، والتوزيع.. دون وجود معايير واضحة ترفع من جودة النتاج الأدبي.. ولست أعلم عن الروايات الصادرة بالعربية في العالم، فليس هناك احصائيات سنوية دقيقة.. أما الروايات الصادرة بالإنجليزية في العالم الناطق كليا أو جزئيا.. فتبلغ نحو 100 ألف رواية سنويا، لا يعني ذلك أنها جميع الروايات رائعة.. ربما متواضعة أو دون المستوى لأن إشكالية «النتاج الأدبي» عموما والظواهر المصاحبة له سواء كانت قرائية، أو ثقافية، أو إعلامية، أو نقدية.. تتأرجح للأسف في ثقافتنا العربية بين التهويل أو التهميش؛ بمعنى إما إعلاء لشأن الرواية، أو تهميشا لها من مبدأ أن الكمال لن يتحقق في أي عمل أدبي البتة.

التساؤل الذي يدور في الأذهان.. ألم يأنِ للذين يرعون الثقافة والإعلام والكتاب ودور النشر بالمملكة... أن ترأف قلوبهم بحال هؤلاء؟ ألم يحن الوقت لتوسيع دائرة الأثر والتأثير عبر إطلاق جائزة بوكر سعودية دولية رفيعة المستوى Saudi Global Booker Prize.. ليس تقليدا أو شبها.. إنما تميزا وتفردا وأثرا.. بحيث تحقق التمثيل الأوسع للأدب العربي حول العالم بجميع أشكاله.

هو نداء حريص.. فهل تستقبل وزارة الثقافة النداء بالأحضان؟


smileofswords@