أحمد بني قيس

اللجوء بين كابوس الشتات وحلم العيش الكريم

الخميس - 10 يونيو 2021

Thu - 10 Jun 2021

تتعدد أسباب ظاهرة اللجوء عند الشعوب كل حسب ما يعيشه من ظروف، ومن بين هذه الأسباب مثلا أسباب اقتصادية تتسبب عادة في حرمان مواطني دول معينة من توفير أبسط مقومات الحياة لهم ولذويهم، مما يجعلهم يسعون للجوء لدول أخرى أكثر استقرارا ورخاء، حالمين بأن يجدوا فيها ظروفا معيشية أفضل.ولكن هنالك أسباب أخرى تدفع الكثير منهم للجوء وهي أهم من الأسباب الاقتصادية لكونها تهدد استمرار حياة الإنسان من عدمه، وهذه الأسباب هي الأسباب الأمنية التي تعزز سوء أحوالها رغبة اللجوء عند الكثير من الشعوب التي طحنتها الحروب الأهلية وحرمتها لذة العيش في أمن وأمان، وتسببت أيضا في قتل وتشريد العديد من أفرادها.

والحديث عن الأسباب الاقتصادية البحتة التي تدفع أهلها إلى الهجرة واللجوء لبلدان تتوفر فيها فرص اقتصادية أفضل هو من نافلة القول ولا يحتاج إلى الكثير من الحديث حوله.

لذا فإن التركيز في بقية هذا التناول سينصب على الجانب الأمني فقط لأهميته البالغة التي تؤكدها التداعيات الكارثية الناتجة عن وجود إشكالات أمنية غاية في الصعوبة تعيشها بعض الدول كالحروب الأهلية، وأبرز دولة إقليمية تعيش مثل هذه الظروف القاسية في عصرنا الراهن هي «سوريا» الشقيقة التي تسببت الحرب الأهلية الدائرة فيها منذ أكثر من عشر سنوات في قتل وتهجير الكثير من مواطنيها.

والمأساة السورية التي كانت شرارة اشتعالها في البداية مجرد مطالبات بإصلاحات معيشية ووظيفية إلا أنها سرعان ما تحولت إلى حرب ضروس على يد النظام السوري عندما قرر مواجهتها عسكريا رغم سلميتها التامة في تلك المرحلة، ولقد تفنن هذا النظام المجرم في ممارسة شتى أنواع القتل والتنكيل بشعبه عبر استعانته بقوى أجنبية قام باستقطابها لحمايته في المقام الأول وفي المقام الثاني لقمع الشعب السوري وإخماد ثورته بعد أن استشعر النظام مدى خطر استمرار تلك المطالبات وخوفه من رفع سقف مطالبها إلى حد القيام بتغييره، وهذا تماما ما كان على وشك الحدوث لولا تدخل القوى الأجنبية وقيامها بحمايته والمحافظة على وجوده.

ولقد مورس على هذا الشعب المكلوم شتى أنواع القتل والتنكيل كما ذكرت فكانت النتيجة قتل ما يقارب الأربعمائة ألف شخص الأمر الذي دفع ما يزيد على الستة ملايين سوري من البقية الباقية التي لا زالت على قيد الحياة إلى الهرب من ذلك المصير والبحث عن أماكن يمكنهم اللجوء إليها والعيش فيها دون خوف أو وجل سواء كانت تلك الأماكن إقليمية أو دولية.

فعلى الصعيد الإقليمي نجد أن الوجود السوري الذي كانت أعداده تتزايد يوما بعد يوم طلبا للجوء والإقامة بين دوله؛ تنوع التعامل معه حسب تنوع منهاج وسياسة كل دولة، فهناك دول أحسنت التعامل مع هذا الوجود وأسهمت إمكاناتها العالية في القدرة على استيعابه والترحيب به كدول الخليج العربي مثلا بينما تقاعست دول أخرى عن القيام بدور مماثل إما لعدم رغبتها في ذلك وإما لتواضع قدرتها على التعامل الإيجابي مع هكذا أزمة الأمر الذي جعل التواجد السوري فيها يعيش أحوالا غاية في الصعوبة.

أما على الصعيد الدولي فلقد تباين أيضا التعامل مع اللاجئين السوريين، فهنالك دول أحسنت استقبالهم واهتمت برعايتهم ووفرت لهم أوضاعا معيشية كريمة بينما كانت هنالك دول أخرى على النقيض من ذلك تماما، حيث اقتصرت جهود بعضها فقط على إسكان هؤلاء اللاجئين في مخيمات يقول واقع العيش فيها بأنها في غاية السوء، ومما «زاد الطين بلة» بالنسبة لهؤلاء اللاجئين، إحجام تلك الدول عن إظهار رغبة صادقة في إيجاد حلول ناجعة ودائمة تساعد في معالجة أوضاعهم الحقوقية والإنسانية.

ما يجب قوله أخيرا إن اللجوء في حد ذاته لا يمثل حلا سحريا يمكنه التكفل بعلاج كوارث وأزمات الشعوب وإنما هو حل مرحلي وموقت، ومعرفة هذه الحقيقة من قِبَل اللاجئ تجعله يعيش في حالة من القلق والخوف الدائم نتيجة عدم شعوره بالاستقرار الذهني والنفسي وهذا الشعور يُحمّل المجتمع الدولي بجميع أطرافه مسؤولية أخلاقية وإنسانية تلزمه بإيجاد حلول ناجعة ودائمة لهكذا حالات عل هذه الحلول تسهم في جعلهم يشعرون بنعمة الاستقرار النفسي والمعيشي وفي جعلهم قادرين على تجاوز ما مروا به من ويلات ونوازل، وهذه الحلول المطلوبة واجبة النفاذ ولا يحق لأي دولة التنصل منها مهما كان عذرها، وذلك بناء على ما أقرته وأجمعت عليه كافة المواثيق والدساتير العالمية.

ahmed_baniqais@