القطاع الصحي الخيري بمكة ومعالجة الفجوة!
الثلاثاء - 16 أبريل 2024
Tue - 16 Apr 2024
تصريح مبشر لكل مسلم في العالم الإسلامي صدر من معالي الدكتور توفيق الربيعة رئيس الهيئة العامة للعناية بشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، ووزير الحج والعمرة بتاريخ 26 جمادى الآخرة 1445هـ، وفيه ما يلبي تطلعات المسلمين في بيت الله الحرام عمرة وحجا، وأن هذه مرحلة تتلوها مراحل من النمو المتزايد للمعتمرين والحجاج بإذن الله، ومما قال: «عدد المعتمرين خلال 2023م وصل إلى رقم قياسي تاريخي؛ حيث بلغ 13.5 مليون معتمر، بزيادة 58% عن أعلى رقم والذي كان في العام 2019م.. وأكبر عدد للمعتمرين من خارج المملكة كان في عام 2019م يقدر بـ 8 ملايين و550 ألفا، وفي 2023 ارتفع العدد إلى 13 مليونا و550 ألف معتمر بفضل التسهيلات المقدمة، وهو أكبر ارتفاع في تاريخ المعتمرين من خارج المملكة» حسب ما ورد في صحيفة سبق وغيرها بتاريخ 9 يناير 2024م، وهو ما ينشد التوافق مع رؤية 2030 التي نصت على زيادة المعتمرين إلى 30 مليون معتمر سنويا.
لكن هذه الأرقام المباركة تلفت الانتباه إلى أهمية التكامل في مضاعفة الخدمات والجهود المشكورة القائمة لسد بعض الفجوات التي ينبغي الاهتمام بها؛ حيث هذه القفزة مع المأمول في زيادة العدد تتطلب معالجة فجوة مراكز الطوارئ الصحية المحدودة داخل مبنى الحرم وخارجه، فثلاثة مراكز طوارئ صحية -على سبيل المثال- غير كافية مع هذه الحشود الكبيرة؛ حيث الضعف أو النقص في الرعاية الصحية يتطلب التناسب والتناسق مع هذه الأعداد الكبيرة الحالية والمأمولة، لا سيما أن الحجاج والمعتمرين القادمين إلى مكة والأراضي السعودية ملزمون قبل وصولهم بدفع التأمين الطبي فهو استحقاق ومطلب فضلا عن الجانب الإنساني.
إن وجود جمعيات متعددة معنية بالرعاية الصحية والعناية الطبية وخدمة ضيوف الرحمن يعد من المظاهر الحضارية والمدنية لأي بلد، فكيف بمكة المكرمة، بل إن هذا من التكامل المنشود بين القطاع الحكومي والقطاع الخيري، كيف مع وجود هذه الحشود الكبيرة من المعتمرين في الحرم المكي!
فالحرم المكي، ومكة أم القرى والمدن عاصمة العواصم، وقبلة الأرض كلها بحرمها ومشاعرها المقدسة، وبحقوقها على الجميع واحتياجها الكبير تحتاج إلى مزيد من مراكز الرعاية الصحية للمواطن وللمقيم والوافد؛ ومن ذلك أن تحيط بالحرم مراكز صحية من كل جهاته الأربع واتجاهاته، وما يتلازم مع بعضها من وجود مواقع للإخلاء الطبي والإنقاذ السريع، ثم يكون لهذه المراكز الصحية امتدادٌ في إنشاء مستشفيات خيرية متعددة قدر الإمكان، أو مستشفيات غير ربحية بأهم التخصصات الطبية.
ويعد إطلاق أعمال (وقف الشفاء) في مكة المكرمة نواة مباركة لإنشاء (مدينة طبية خيرية) مأمولة، وهي المبادرة التي أطلقها الأمير فيصل بن سلمان مع الأمير سعود بن مشعل في رمضان المبارك هذا العام 1445هـ؛ حيث الاحتياج الدائم والمهم.
وقد حث ديننا الإسلامي على كل ما يتعلق بهذه الرعاية الصحية من خلال مفاهيم السقاية والرفادة للوافدين إلى مكة المكرمة، ويعزز هذا ما ورد في عموم الآيات القرآنية والأحاديث النبوية عن العطاء والبر والإحسان، كيف وهو بحق كثير من المعتمرين قد جمعوا صفات ابن السبيل والفقير والمسكين، وما في هذا من مضاعفة الأجور بمكة المكرمة.
تشير كل العوامل المساعدة إلى إمكانية إنجاح هذا التكامل وسد هذه الفجوة؛ حيث المعطيات تشير إلى ممَكنات النجاح التالية:
أولا: وجود الأراضي الوقفية الكثيرة التي تحيط بالحرم وإمكانية تشييد مراكز صحية تطوعية نموذجية كافية لاستيعاب احتياج الحشود، إضافة إلى توفر الأراضي الحكومية المناسبة لإقامة منظومة من المستشفيات والعيادات الخيرية، ومنها الأراضي المحاذية للمشاعر المقدسة على طريق الطائف الهدا - على سبيل المثال -، والتي تستوعب إقامة مدينة طبية خيرية منشودة تليق بمهوى الأفئدة المسلمة، وبشراكات طموحة عملية منافسة بإذن الله.
ثانيا: من فرص النجاح وجود التفاعل المجتمعي الكبير مع هذا النوع من العطاء الخيري والخدمات الصحية الخيرية، سواء من خلال الموقفين ومبادرات رجال الإحسان، أو كما حدث في فعالية منصة إحسان؛ حيث تم الدعم الكبير المبارك لمستشفى السلام الوقفي بالمدينة المنورة عام 1444هـ، وكذلك الدعم الذي تم في غرفة مكة عند تدشين (منصة وقف الشفاء) لصالح المبادرة سابقة الذكر.
ثالثا: إمكانية التطوع الصحي بالساعات والأوقات من داخل مكة وخارجها، بل ودراسة إمكانية فتح التطوع الطبي للراغبين من المعتمرين وفق معايير وجداول مدروسة، وبتفعيل الجانب الصحي في المنصة الوطنية للعمل التطوعي بشكلٍ يتجاوز البيروقراطية الإدارية المعيقة.
رابعا: دراسة تطوير ودعم تجارب وممارسات الجمعيات الصحية بمكة وهي حوالي عشر جمعيات تتكامل بخدماتها، ومنها على سبيل المثال تجربة (جمعية زمزم للخدمات الصحية التطوعية الخيرية) بنجاحاتها الميدانية بالمطاف بصورةٍ خاصة، وذلك بأن تتولى مع غيرها تشغيل أو استلام المراكز الصحية الوقفية الخيرية والمقترحة في محيط الحرم، وذلك بعد دعمها بالاستشارات والأوقاف والتطوع والتبرع، وجمعية زمزم هي التي أسسها عضو مجلس الشورى -رحمه الله- الأستاذ الدكتور عدنان البار وزملاؤه.
وهذه الأهمية مع هذه المعطيات والممكنات مما يؤكد كذلك على جهات الاختصاص الحكومية أهمية العمل بتحديث بعض الأنظمة المتعلقة بالجمعيات في الجوانب الصحية والوقفية والتطوعية والإدارية، لتعمل بانسجام وتوافق، وهو ما يتطلب المساندة والإثراء بالدراسات المتعلقة بهذا الشأن الصحي وبالجوانب المهمة الأخرى المتعلقة بعموم إدارة الحشود التي تتطلب كذلك حوارا ومناقشة أخرى من قبل المهتمين والمتخصصين، لتتكامل الجهود القائمة مع المقترحات والرؤى بسد الفجوات، خدمة لبيت الله الحرام الذي أكرم الله به هذه البلاد حكومة وشعبا من خلال قطاعاتهم الثلاثة (الحكومي والتجاري والخيري).