خالد العويجان

برميل البارود والعناوين الملعونة

الأربعاء - 24 أبريل 2024

Wed - 24 Apr 2024

لا يعلم المرء أين ينظر. الأخبار الساخنة والعناوين الملعونة مصدرها منطقتنا. شرقا وغربا الدنيا تلتهب. والفرح والمرح بات في نطاق محدود في الخرائط المحيطة، وحتى الاستقرار كذلك.

هكذا هو الشرق الأوسط، منذ عقود. يعيش على غضبه كثير من دول العالم الأول، أعني تجار السلاح، وحاملي فواتير الموت، والجنائز، ومن يملكون مفاتيح المقابر، حتى هذه – أي المقابر – لم تعد تقبل أنصاف الحلول، لا ترضى إلا بطفل أو شيخ أو عجوز، لها ميزتها في الانتقاء.

والمارون بجانبها، لم تعد تخدمهم عقارب الساعة لإلقاء التحية؛ والسلام.

والحبر جف من الأقلام، نظير قوائم القسوة وجداول المغادرة. والقادمون عليهم من الله السلام. الإحباط والصدمة أول مستقبليهم. وخيوط العنكبوت، وأعشاش الدبابير مع الوقت، ستحيط بهم.

واشنطن مشغولة بالقادم من الأيام الحبلى بسيوف الانتخابات بين الجمهوريين والديموقراطيين. وبوتين أهدافه بعيدة عن المنطقة إلى حد كبير.

يحلم القيصر بسوريا الروسية؛ بينما يتمنى سيد البيت الأبيض الانتصار في صناديق الاقتراع، نكاية بالخصوم.

والمنطقة التي أقصد - أي منطقتنا - ليست ضمن بنود بنك أهداف التنين الصيني الأولية. إنها ثانوية بدرجة كبيرة.

وأوروبا عاجزة؛ لأنها في الأصل عجوز مترهلة.

بعد هذه الديباجة والمقدمة البائسة، إلى ماذا تحتاج منطقة كالشرق الأوسط، بعيدا عن التصورات النفعية؟ إنها ليست بحاجة إلى دولة كبرى كالولايات المتحدة الأمريكية؛ تصور نفسها من زاوية شرطي العالم - أي على أساس إحكام القبضة وانتشار البارجات في البحار والطائرات في السماء -؛ ولا كما يرى سيد الكرملين في موسكو، أن الحصول على إطلالة البحار، هدفا أساسيا يحقق حزمة مصالح، أولها: مناكفة الغرب، وثانيها: الانفتاح عليهم بوقت واحد. ولا للذهنية الصينية التي تبحث عن المياه الدافئة، لتمرير اقتصادياتها.

أتصور أن المنطقة في حقيقة الأمر، بحاجة إلى مشروع تنموي كبير يشكل حالة إنقاذ، شريطة أن يكون شموليا وليس أحاديا، يعم بسحابته جميع دول المنطقة. السؤال؛ من هي الدولة التي تملك مقومات الصبر الاستراتيجية متوسط وبعيد المدى على منطقة ينخر جسدها التناحر والخصومات السياسية والطائفية والقبلية؟ الجواب: المملكة العربية السعودية. كيف؟ المراقب للعقل الباطن السياسي السعودي يمكنه استيعاب هذا التصور؛ ومن هو عكس ذلك سينعتني بالمريض نفسيا، أو المنفصل عن الواقع. وهذا حق مشروع لهذا وذاك.

إنما فكرتي تقوم على أنه ثمة ما يمكن رؤيته في التفاصيل الدقيقة للمشروع السعودي الكبير؛ وذلك ينبع بشكله ومنطقه الجمعي والكلي، من أن الرؤية السعودية لا يمكن لها أن تطرح كفكرة، في ظل وجودها بمحيط مضطرب.

أقصد أن أي مشروع تنموي لا يستطيع النجاح في حالة كحال منطقتنا، متقلبة من الناحية السياسية والاجتماعية، والاقتصادية.

وهذا هو أساس قول ولي العهد ذات مرة «الشرق الأوسط سيكون أوروبا الجديدة». وذلك التصريح ليس عاطفيا أو اعتباطي من رجل يقود دولة ذات مقومات أولها الإنسان. هذا أولا.

ثانيا: إن ذلك الحديث لن يصدر إلا عن صانع قرار، لديه ما لديه مما يدور خلف الكواليس من تفاهمات مع دول الجوار بشكل جزئي، والمنطقة بشكل عام.

أعني أنه ليس تخديرا للشعوب وللشارع العربي، بقدر ما ذلك نابع عن إيمان سعودي حكومي وشعبي، رافعته وقاعدته «رؤية 2030»؛ وحتما وبلا جدال كانت منطلقا لحماسة دول المنطقة بأسرها؛ لأن الرسالة السعودية بلغت هدفها الرامي إلى التنمية، التي ستكون سدا منيعا عن تحويل المنطقة إلى هشة بالمنطق السياسي والاجتماعي.

صحيح لم آت بجديد. إنما وجدت أن رفع الاستحقاق السعودي مشروع «وهو أكبر مني وليس بحاجتي لكنه يستحقني ولا أستحقه»، في أعقاب أن شاهدت تصريحا للأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية، على هامش مشاركته في افتتاح أعمال المنتدى رفيع المستوى حول الأمن والتعاون الإقليمي بين دول مجلس التعاون والاتحاد الأوروبي، المنعقد في دوقية لوكسمبورغ؛ قال فيه «إن المملكة تدفع نحو تنمية وإعمار واستقرار المنطقة؛ لا الاضطرابات».

يجب القول إن الصحفيين؛ وكتاب الرأي، لديهم النظرة والرؤية الخاصة بهم، من حيث تفسير القول والعمل، وعلى هذا الأساس، انطلقت في هذا المقال على ربط الأمور ببعضها؛ لأنه يصعب تجزئتها وفصلها عن بعضها البعض؛ لذا فرض المقام والمقال هذا الشكل التدريجي من القول.

أتصور أن منطقة كمنطقتنا، ليست بحاجة إلا لفكرة رصينة تنقلها من حالة الوهن والخمول، لصورة حيوية تتجسد في التنمية ورفعتها على أساس الإنسان، الذي من شأنه القناعة بالعمل لا لمواجهة الآخر، إنما حمل ملف يحتوي على قضية تطوير كتلك، التي واجهت فيها بلادي أنحاء الأرض ورفعوا لها تعظيم سلام.

إن الورقة السعودية التي وضعتها على طاولة العالم، وتقوم على التنمية، هي التي من شأنها تخفيف الضغط على منطقة مليئة بالاقتصاد، والسياسة والعنصر الديموغرافي الكبير.

على الأقل؛ لخلق ما يتناسب مع حجمها ومقوماتها، والأهم؛ لإبعادها عن برميل البارود.. والعناوين الملعونة.