بندر الزهراني

البناء الصحيح أولى من الإصلاح والتطوير

السبت - 28 نوفمبر 2020

Sat - 28 Nov 2020

عندما نقول إننا نريد إصلاح التعليم، إصلاح سياساته وطرقه وآلياته، فهذا يعني أننا نرى بأم أعيننا أو نؤمن في قرارة أنفسنا بأن هناك خِلالا أو مشكلات في جوانب معينة من التعليم، تحتاج إلى تدخلات وإصلاحات، ولكننا إذا قلنا: نريد أن نطور أو نحدّث سياسات التعليم فهذا يعني أننا لا نعاني قصورا كبيرا في العملية التعليمية، بل هي تسير بشكل جيد وإنما نرغب في تطويرها لتواكب أحداثا عصرية أو تقنيات مستجدة ونحاول تسريعها بطريقة أو بأخرى حتى نلحق بالآخرين أو على أقل تقدير ألا نبقى متأخرين!

إذن نحن بحاجة إلى أن نحدد أو نتفق على شيء من شيئين؛ إما إصلاح أو تطوير، فإن قلنا «إصلاح» فعلينا أولا تحديد المشكلة التي نرغب في إصلاحها، وإن قلنا «تطوير» فعلينا تحديد مكامن القصور، وإذا اتفقنا على أي من الحالتين، سواء الإصلاح أو التطوير، فإن الأسئلة التالية بحاجة إلى إجابات منطقية وهي الأهم والأكثر إلحاحا، وهي في الواقع مثار النقاش: هل نحن نبحث عن وصف الإصلاح عند الآخرين ونستورده منهم كما هو؟ وهل لو فعلنا ذلك أجدى نفعا معنا وأغنانا عن التجريب والتعب وصرف الأموال؟! أم إن العلاج الذي نبحث عنه يكمن فينا بوصفه شيئا له خصوصية مجتمعية ومرتبط بثقافتنا وتراثنا وعاداتنا؟

كتب الدكتور أحمد العيسى وزير التعليم السابق كتابه «إصلاح التعليم في السعودية» قبل أن يتسلم حقيبة الوزارة بسبع سنوات تقريبا، وذكر في مقدمة الكتاب - هكذا بشكل مباشر وبلا مواربة - أن نظام التعليم في المملكة نظام متخلف ولا يصلح إلا لتخريج كتبة للمستوى الخامس في القطاع الحكومي، وعلى الرغم من أنه لم ينفذ كثيرا مما كتبه في كتابه حينما تربع على كرسي الوزارة إلا أن الكتاب بقي قيما ومهما بما فيه من وجهات نظر وآراء وأفكار تستحق وبكل جدارة أن تكون خارطة طريق لمن أراد إصلاح التعليم ما استطاع!

لا أختلف كثيرا مع من يقول بإصلاح التعليم، ولا مع من يقول بتطويره، لكنني أرى الإشكالية الفعلية تكمن في إدارة المشهدين، فالوزير السابق استغرق فترة طويلة في محاولة إيجاد أو تهيئة إدارة ناجحة لقيادة الإصلاح الذي كان يعتقده ويرى ضرورته الماسة، ولذلك لم يسعفه الوقت ولا حتى «الكوادر» الإدارية المحيطة به آنذاك لتنفيذ ما ضمّنه كتابه من آراء وأفكار إصلاحية، وكذلك الحال مع الوزير الدكتور حمد آل الشيخ الذي يمر ربما بنفس الظروف من حيث غياب أو فقدان الإدارات المبدعة التي تعطيه القوة وتمنحه التفرغ لتنفيذ فلسفاته وأفكاره في تطوير التعليم.

وكلامي هذا لا يعني بالضرورة أن الإدارات الأكاديمية والتربوية والطاقات البشرية الحالية تعيش أزمة في تصريف الأعمال وتسيير الأمور، لا أبدا، ولكن بعضها - من وجهة نظري - يعيش أزمة ذاتية في مسألة فهم فلسفات القائد وبلورتها أو تكييفها أو حتى نقدها والاعتراض عليها إن دعت الحاجة، وبالتالي العجز عن تبنيها جزئيا أو كليا واستحالة وصعوبة تنفيذها، وهذا «بلا بوك يا عقاب» كما يقال في المثل الدارج!

سأعطيكم مثالا واحدا يلخص هذه الحالة: ترشيح رؤساء الجامعات أو أمناء مجالسها أو مديري إدارات التعليم ليس بالأمر الهين على الوزير الناجح، لأن رئيس الجامعة أو مدير إدارة التعليم يجب أن تتوفر فيه «الكاريزما» الإدارية فضلا عن صفات فطرية وأخرى مكتسبة لا تتوفر إلا لدى قلة قليلة من الخبراء والفلاسفة، فإذا فشل الوزير في هذا الاختيار حمّل نفسه أعباء كثيرة تصرفه عن أداء ما جاء لتنفيذه وتحقيقه، وعندئذ تصبح أبعاد رؤيته منحصرة في متابعة تصريف الأعمال، والتأكيد على فعل كذا أو التحذير من الوقوع في كذا، لا أكثر!

يجب ألا نختلف أو نتوقف كثيرا عند مسألة الاختيار ما بين الإصلاح أو التطوير، لأن الإصلاح والتطوير كليهما مكمل للآخر وإن اختلفت منطلقاتهما، بل يجب أن نتفق على أن البناء الصحيح قابل للإصلاح والتطوير طالما كانت مقومات البناء الناجحة حاضرة ومتوفرة، فلا نستورد أنظمة تعليمية غريبة فتفشل ثم نستجدي إصلاحها، ولا نهدر أموالنا في تطوير هامشي لا معنى له إلا عند المستنفعين منه، وفي ظني أن البناء المرتكز على ثقافتنا الإسلامية ولغتنا العربية وهويتنا الحضارية خير من إصلاح المستورد أو تطوير المستهلك!

drbmaz@