وليد الزامل

تطوير البيئة العمرانية للمقابر!

السبت - 13 أبريل 2024

Sat - 13 Apr 2024


في مرحلة الدراسات العليا طرح أستاذ مقرر UPEP 906 «المراقبة البيئية» سؤالا للطلاب والطالبات، حول استعمالات الأراضي غير المرغوبة في المدن Locally Unwanted Land Use، ويتم اختصارها عادة بمصطلح «لولو» LULU.

السؤال كان يتمحور في ماهية الاستعمالات غير المرغوبة، وتحليل خصائص السكان المقيمين بالقرب من هذه الاستعمالات، خاصة المجموعات العرقية، ومستويات الدخل.

السؤال كان مدخلا لبحث نشرته في الأسبوع البحثي حول مواقع Superfund في مدينة هيوستن بالولايات المتحدة الأمريكية.

على أية حال، كانت إجابة أحد الطلاب أن الاستعمالات غير المرغوبة، هي تلك المواقع الملوثة بمواد ضارة بالبيئة والصحة العامة والتربة والسلامة، والتي تتطلب استجابة عاجلة لإزالة هذه المواد الملوثة.

تدرج هذه المواقع عادة في قائمة المواقع المؤهلة للتنظيف البيئي ضمن برنامج Superfund، وهو برنامج إصلاح بيئي فيدرالي أمريكي، تم إنشاؤه بموجب قانون الاستجابة البيئية، وتتم إدارة البرنامج من وكالة حماية البيئة EPA.

جاء أحد الطلاب بمثال حول المناطق الصناعية الملوثة، ومناطق النفايات والمحارق. جاء الدور عليّ فلم يحضر في ذهني سوى مثال المقابر، فقلت: نعم، هي المقابر فلا أحد يرغب أن يسكن بجانب مقبرة لأفاجأ أن الجميع يضحك؟ قال لي أستاذ المقرر: ما مبررك في تصنيف المقبرة ضمن المناطق غير المرغوبة؟ حاولت أن استحضر أي إجابة مقنعة وسريعة، كي أسوقها لتبرير إجابتي فلم أستطع.

في الحقيقة، التصور الذي اُختزل في ذهنيتي حول المقابر، جاء من كونها مناطق خربة، ومهملة يتم عزلها بسور متهالك، وليس بها أي خدمات أو مرافق عامة. كان هذا التصور مبني من واقع محلي، ولكن المقابر في المجتمعات الغربية عموما هي بمثابة مناطق خضراء محاطة بسور أخضر، وبوابات مزينة عادة بالورود الملونة.

وعليه، فلا يوجد عادة إشكال في السكن بالقرب من المقابر، فهي أشبه بالحدائق العامة.

طوال فترة دراستي وعملي في المجال الأكاديمي، لم أطلع على أي مشروع عمراني جريء تطرق لقضية تحسين البيئة العمرانية للمقابر، أو محاولة إدماجها ضمن السياق الحضري.

ربما اعتقادا أن مثل هذا التطوير سيقتصر على تحسينات بسيطة وغير ملموسة، لكونها تخضع لمحاذير شرعية لا يرغب البعض الخوض فيها.

اليوم، يلوح في الأفق مشروع رائد «لتطوير البيئة العمرانية لمقابر مدينة الرياض»، سيتم تنفيذه على مراحل عدة، ويبدأ من تطوير البيئة العمرانية لمقبرة الشمال، ثم يتم تعميم التجربة على كل المقابر في المدينة.

أرى أن المشروع رائد لكونه يكسر حواجز ذهنية اختزلت لعقود طويلة حول المقابر، باعتبارها أماكن مهملة لطالما أثرت سلبيا على محيطها العمراني، بل أصبحت بمثابة بيئات طاردة لأي نشاط عمراني، وعامل مؤثر على أسعار الأراضي القريبة منها.

يسعى المشروع إلى تسهيل معرفة القبور عبر الرسائل النصية، وبناء الأرصفة والتشجير، ورفع كفاءة مواقف السيارات، إضافة إلى وضع شاشات لمعلومات الجنائز، وتنظيم الحشود.

كما سيوفر المشروع مظلة للمشيعين واستقبال العزاء، تحوي مرافق خدمية، وترتبط بخدمة النقل الترددي، مع مراعاة احتياجات ذوي الإعاقة.

إن جهود أمانة مدينة الرياض في تحسين المقابر خطوة رائعة لتغيير مفاهيم مغلوطة حول المقابر، ولدي اعتقاد راسخ أن نجاح هذا المشروع سيخلق أنموذجا يحتذى به ليس في مدينة الرياض فحسب، بل في جميع المدن السعودية.


waleed_zm@