عبدالله علي بانخر

ربحية الشركات الإعلامية المساهمة.. إلى أين؟!

الأربعاء - 24 أبريل 2024

Wed - 24 Apr 2024

أقصى طموحات المشاريع الفردية الصغيرة أن تتحول إلى مؤسسات فردية صغيرة ناجحة، ثم التحول إلى شركات غير فردية كبيرة ناجحة، ثم التحول إلى شركات مساهمة مغلقة على عدد محدود من الشركاء، ثم التحول لشركات مساهمة عامة غير محددة بعدد من الشركاء ومتاحة لتداول أسهمها من قبل الجميع وبالطبع في كل الأحوال ذات ربحية عالية مستمرة لكل مساهميها.

ويعد هذا التطور المتعارف عليه في كافة أسواق المشاريع والمؤسسات والشركات في العالم.. يبدأ مجرد حلم صغير خاص واعد ورابح لدى بعض الأفراد ثم يتحول الى واقع ملموس يكبر بشكل أعم وأشمل وأربح لمجموعة من الأفراد صغر أم كبر عددهم، ملكية المشاريع والمؤسسات والشركات تتدرج في نسب الشراكة من الملكية الخاصة الأقل عددا ومحدودة العدد للأكثر مساهمة تطلعا للمزيد من الربحية الأعم والأعلى حجما لأكبر عدد ممكن على الاستمرار.. هكذا يحدثنا المنطق السليم لاقتصاديات المشاريع والمؤسسات والشركات ووفقا للنظريات الرأسمالية المختلفة في جميع أنحاء العالم وعلى مر العصور والأزمنة.

ولابد ان يصاحب هذا التوجه تطور تنظيمي وقانوني وتشريعي في الهيكلية الاقتصادية لأسواق المشاريع والمؤسسات والشركات الخاصة والمتوجه لعمومية المساهمة على كافة مستويات الأنشطة والمجالات، مع الأخذ في الاعتبار أحجام تلك المشاريع والمؤسسات والشركات من متناهية الصغر إلى الصغيرة ثم إلى المتوسطة ثم إلى الكبيرة من حيث الشراكات والمساهمات تحقيقا للمزيد من الإيرادات والأرباح سواء الإجمالية أو التفصيلية أو الصافية.

ومما لا شك فيه أن طبيعة كل مشروع أو مجال أو نشاط قد يكون لها خصوصية ما في حجم الإيرادات والمصاريف والأرباح مع التأكيد بالطبع على وجود بعض السمات العامة المشتركة لجميع الشركات، ومن هذا المنطلق عادة ما يدور الحديث عن ربحية الشركات الاعلامية المساهمة في المملكة العربية السعودية على وجه التحديد كما حدث مؤخرا.. قد يرى البعض أن أقصى ما يجب عليه طبيعة هذه الشركات الإعلامية هي ذات مسؤولية محدودة أو مساهمة مغلقة على الأقل لمحدودية السوق الإعلامي عموما، في حين يرى البعض الآخر ضرورة التوسع في الوصول إلى مساهمات عامة متاحة للجميع للاستفادة من سرعة تنامي السوق الإعلامي بشكل مذهل، وبعد ما أثير على وسائل التواصل الاجتماعي من مدح لبعض الشركات الإعلامية أو تقريظ للبعض الآخر منها في الآونة الأخيرة حول تحقيق تلك الشركات ربحية اعلى قبل التحول إلى المساهمة العامة عن بعدها، وجرت العادة أن تنشر الميزانيات السنوية لجميع الشركات المساهمة قبل نهاية الربع الأول من العام التالي؛ لذا حفل شهر مارس 2024م بنشر أغلب الميزانيات العمومية السنوية وحسابات الربح والخسارة لجميع الشركات المساهمة في السعودية، وبالتالي تبدأ الاسئلة والاستفسارات والتحليلات والانتقادات ايجابيا وسلبيا في هذه الفترة كردود افعال متوقعة.

تجدر الإشارة إلى أن هيئة سوق المال السعودي «تداول» تتولى تنظيم عمليات التداول لأسهم كافة الشركات المساهمة في المملكة، وقد قسم كتاب «قصة السوق: توثيق تاريخ سوق المال في السعودية قصة السوق 1926 - 2020م» في طبعته الأولى الصادرة عن هيئة سوق المال السعودية في 2021م مراحل تاريخ سوق تداول الأسهم في السعودية إلى مراحل أساسية كالتالي:
المرحلة الاولى: البدايات والنشأة للفترة 1926م إلى 1984م.

المرحلة الثانية: تنظيم سوق الأسهم للفترة 1984م إلى 2003م. المرحلة الثالثة: تأسيس منظومة سوق الأسهم للفترة 2003م - 2020م.

وربما يمكن إضافة مرحلة جديدة بشكل غير مباشر عن المستقبل الزاهر المتوقع بإذن الله ليمثل المرحلة القادمة وهي:

المرحلة الرابعة: الريادة المستقبلية من خلال رؤية المملكة للفترة من 2020م إلى 2030م (وإن لم يتطرق لها المصدر المشار إليه أعلاه بشكل مباشر ولكن من باب استشراف المستقبل فيما بعد المرحلة الثالثة).

ووفقا لرؤية المملكة 2030م، تتطلع السعودية إلى أن تكون السوق الرئيس لتداول الأسهم على المستوى الإقليمي وكذلك تصبح المملكة من أهم 10 أسواق عالمية لتداول الأسهم بشكل عام. ومما هو جدير بالذكر ان تداول الأسهم السعودية فعليا قد بدأ اعتبارا من 25 فبراير 2006م بعدد 77 شركة مساهمة بقيمة أسهم تبلغ حدود 4 مليار ريال سعودي، في حين بلغ عدد الشركات المساهمة 228 شركة بقيمة أسهم تقدر بحدود 13 مليار سعودي في نهاية 2023م، وتقسم الشركات السعودية المساهمة سواء الإنتاجية منها أو شركات الخدمات بشكل عام على عدة قطاعات مختلفة مثل التكنولوجيا والطاقة والصناعة والزراعة والمواد الخام وغيرها.

علاوة على أن شركات الخدمات تشتمل على شركات الرعاية الصحية والمالية والعقارات والإعلام والترفيه، ويضم قطاع الإعلام والترفيه وحده 4 شركات مساهمة حاليا، ووفقا للترتيب الزمني للتحول لشركات مساهمة كالتالي:

1 - شركة تهامة للإعلان والعلاقات العامة في 13 أبريل 1983م، رأس المال 400 مليون ريال وعدد أسهم 40 مليون سهم ويتراوح سعر السهم الواحد في حدود 16 ريالا.

2 - المجموعة السعودية للإعلام والتسويق في 15 مايو 2006م،
رأس المال 800 مليون ريال وعدد الأسهم 80 مليون سهم ويتراوح سعر السهم الواحد في حدود 258 ريالا.

3 - الشركة العربية للتعهدات الفنية في 15 نوفمبر 2021م، رأس المال 500.00 مليون ريال وعدد الأسهم 50 مليون سهم ويتراوح سعر السهم الواحد في حدود 223 ريالا.

4 - شركة MBC في 8 يناير 2024م رأس المال 3,325,000,000 ريال وعدد الأسهم الصادرة 332,500,000 سهما ويتراوح سعر السهم الواحد في حدود 57 ريالا.

وبالعودة لما قد أثير من انتقادات لبعض الشركات المساهمة حول تراجع أرباحها عما كانت تحققه من أرباح سابقة سواء قبل أو أثناء الاكتتابات العامة أو بعد طرح الأسهم للتداول في سنواتها الأولى على الأقل مؤخرا.. وهنا يكمن بيت القصيد والهدف المنشود وراء كتابة هذا المقال تحديدا، وليس دفاعا عن تلك الشركات أو هجوما على الأخرى ولكن من باب تحري المزيد من الدقة والشفافية والمصداقية لتلك الشركات في هذا المجال الحيوي والهام والذي يتوقع منه الكثير مستقبلا، البعض لا يزال يرى أن اقصى ما يجب عليه وضع الشركات الإعلامية هو شركات ذات مسؤولية محددة او مساهمة مغلقة على عدد محدد من المساهمين بسبب صغر حجم السوق أصلا.

وعلى النقيض تماما يرى البعض الآخر انه على الشركة الاعلامية الرابحة سرعة التحول لمساهمة العامة وتطرح أسهمها للتداول عبر سوق التداول للاستفادة من سرعة نمو المجال، وبين طرفي النقيض تكمن أهمية الدراسة والبحث للوقوف على أسباب كل طرف ومزايا وعيوب كل طرف منها وصولا للمعادلة الأسلم أو الأصوب، وتبقى الأسئلة مشروعة للباحثين والمحللين ومشرعة للمساهمين والمتخصصين كالتالي:

- هل ارباح الشركات المساهمة بصفة عامة قبل واثناء الاكتتابات افضل منها بعد طرح وتداول الأسهم؟ وماهي السيناريوهات المحتملة او النتائج المتوقعة؟

- ماهي أبرز الأسباب التي تساهم في تحقيق تلك السيناريوهات المحتملة أو النتائج المتوقعة سواء بالنسبة للبيئة الداخلية والخارجية للشركات المساهمة بصفة عامة؟

- هل أرباح الشركات الإعلامية المساهمة بصفة خاصة قبل وأثناء الاكتتابات أفضل منها بعد طرح وتداول الأسهم؟ وماهي السيناريوهات المحتملة والنتائج المتوقعة؟

- ماهي أبرز الأسباب التي تسهم في تحقيق تلك السيناريوهات المحتملة أو المتوقعة سواء بالنسبة للبيئة الداخلية والخارجية للشركات الإعلامية المساهمة بصفة خاصة؟

- ماهي أبرز أوجه التشابه وأوجه الاختلاف بين سيناريوهات الربحية أو عدمها المحتملة أو المتوقعة للشركات المساهمة عموما والشركات الإعلامية على وجه الخصوص؟

لست خبيرا اقتصاديا أو محللا استثماريا أو محرما لتحول الشركات إلى الشركات المساهمة وخصوصا الإعلامية منها، وان كنت أحد ضحايا سوق الأسهم السعودي في أزمة عام 2006م الله لا يعيدها.. كما أتمنى عدم النبش في الماضي أو النكش في عش الدبابير - لا سمح الله - أو حتى الاقتراب من وكر هو امير الأسهم والعياذ بالله وربنا يجعل كلامي خفيفا عليهم.. لكني فقط أبحث بكل موضوعية عن حقيقة الأمر لا أكثر وأنشد الخير للجميع باذن الله مستقبلا.
قد كان لي شرف العمل لفترات سابقة في الشركات الإعلامية المساهمة حاليا.. ولقد حضرت وعاصرت وعايشت التحول من شركة مساهمة مغلقة إلى مساهمة عامة في شركات منها، ولا زلت اعتقد انه يجب دعم المزيد من الشركات العاملة في قطاع الإعلام والترفيه للنظر في أمور التحول إلى شركات مساهمة من عدمها في ظل التطور الاقتصادي المذهل في المملكة العربية السعودية من خلال رؤية 2030م.. وتأسيسا على مبدأ الحرص على ان الخير يجب ان يعم او يعمم وغير ذلك ربما يخص او يخصص فقط.. ويعول على المرحلة الحالية والمستقبلية على المزيد من التشجيع لتحقيق المزيد من النجاحات والربحية للشركات العاملة في قطاع الاعلام والترفيه سواء بالتحول إلى شركات مساهمة ناجحة ومحققة للمزيد من الأرباح المستدامة أو غير ذلك تقييما وتقويما للوضع الحالي.

كما يتوقع ان يمثل قطاع الإعلام وحده فقط حدود 15% من اجمالي الناتج المحلي في عام 2030م فما بالنا بقطاع الترفيه أيضا، علاوة على أهمية وضرورة تطوير وتحديث العديد من الأنظمة والقوانين الخاصة بتحقيق التحول قبل وأثناء وبعد المساهمات العامة للحفاظ على مقدرات السوق واستثمارات الوطن المعطاء الكريم لكل من المواطن والمقيم والزائر علاوة على المستثمر الداخلي والخارجي، ومن خلال الرؤية الثاقبة الواعدة بكل الخير بإذن الله للمملكة العربية السعودية والعالم اجمع رؤية السعودية 2030م.

ومن هذا المنطلق اتطلع دوما إلى الحث على إجراء المزيد من الدراسات والأبحاث العلمية والعملية المتعمقة والكاشفة وذات المصداقية العالية والموثوقية المعتمدة والداعمة بكل تأكيد لمتانة وقوة سوق الأسهم السعودية تماشيا مع حجم ومكانة الاقتصاد السعودي بشكل عام وارتقاء بآلياته وأدواته، وربما يضاف إلى جرس الإغلاق جرس آخر للإنذار لمصلحة السوق أولا وأخيرا ولمصلحة كل ذي علاقة بسوق الأسهم السعودية، وأتمنى على كافة الهيئات والشركات والمؤسسات العامة والخاصة ذات العلاقة بسوق الأسهم في المملكة تبني وتمويل ورعاية المزيد من الدراسات والأبحاث في القريب العاجل بإذن الله وبشكل مستدام والله ولي التوفيق.. ودام عزك يا وطن في كل المجالات والأنشطة.