بسمة السيوفي

لغة الجسد

الثلاثاء - 05 مارس 2024

Tue - 05 Mar 2024

الشغف بلغة الجسد كان ولا زال أمرا يغمرني بالمسرة.. إيقاع خفي أرقص على حافته كلما نظرت إلى وجه أحد ما.. وكلما جربت التواصل بغرض الفهم.. هو العالم الواسع العميق الذي تفصل بين جنباته خيوط رقيقة، وهو ذلك التجاوب المحموم مع الإيماءات والحركات لتخمين العلاقة بين طباع الإنسان وملامح وجهه.

ما يفتنني حقيقة هو الاحتمالات التي تتاح لنا كبشر، في توقيت معين ومع أشخاص معينين، لمعرفة ما يدور في أدمغة الناس وصدورهم من أفكار ومشاعر، فإما أن يتأكد المرجح من التخمين.. وإما أن تعلمنا التجربة شيئا جديدا عن الناس في هذا العالم.

وبعيدا عن علم الفراسة الذي اشتهر به العرب Physiognomy أو ما يسمى «الاستدلال بالخلق الظاهر على الخلق الباطن»، بقراءة واستخلاص مكونات الشخصية ودراسة المظهر الخارجي للجسم وخاصة الوجه.. وهو أشمل وأعم من مفهوم الحدس وقراءة الأفكار.. إلا أن المراد هو تسليط الضوء على لغة الجسد من وجهة نظر معتبرة.. وهي أننا باختيار عدم التواصل الجيد نهدر فرصا حقيقية للتعبير عما بدواخلنا.. خاصة إذا حصل تضارب بين اللغة المنطوقة وغير المنطوقة؛ فيتنافر المعنى ويفشل التواصل. كما أن تكوين انطباع إيجابي وتمييز مشاعر الآخرين من الأمور التي تعزز وضع الفرد اجتماعيا، فكيف نفرط بهذه الفرص؟

لغة الجسد هي علم الحركة.. هي «لغة تعكس تفكير الإنسان وشعوره دون همس أو نطق بأدنى كلمة، هي رسائل صامتة، وإشارات تتم عن طريق حركات الجسم وإيماءات الوجه، ونظرات العين، والعديد من الإشارات المجتمعة سويا». ويعد كتاب «التعبير عن العواطف لدى الإنسان والحيوان» 1872م لتشارلز داروين، أول وأكثر الكتب تأثيرا في هذا المجال، ظهر على إثره الكثير من الدراسات الحديثة لتعبيرات الوجه ولغة الجسد، كما تم تأييد وإثبات الكثير من أفكاره، ومنذ ذلك الحين سجلت البحوث حوالي مليون تلميح وإشارة غير شفهية يتواصل بها البشر، ويرى علماء النفس أن 60% من التخاطب والتواصل بين الناس يتم بطريقة الإيماءات، والإيحاءات والرموز الجسدية، وليس بالصورة الشفهية والكلامية كما يظن الكثير من الناس.

فالغمزة بين حبيبين يختلف تفسيرها عن الغمزة بين غريبين، الإشارات اليدوية تكشف عن الحالة الانفعالية والتفكير، أما المصافحة الحميمة فتعبر عن الثقة والاحترام، كما ترمز الأيدي المفتوحة للصدق والاستعداد للتواصل بفتح القلب والعقل. وبالتالي تستخدم لغة الجسد لإتمام المواقف الخاصة بالعلاقات بين الأفراد، وفي بعض الحالات تستخدم بديلا عن الرسائل اللفظية، فليس كل ما نقوله هو المهم دائما، بل ما يقوم الجسد بالتعبير عنه؛ فالعيون تغزو الحصون وتعتبر من أهم ما يعتمد عليه في قراءة وتحليل لغة الجسد؛ لأنه من الصعب على الإنسان أن يتحكم فيها إراديا، فحركة حدقة العين تشير إلى الشخصية، واتساع بؤبؤ العين مثلا يدل على أن العين أبصرت شيئا مستحبا أو مثيرا.. وضيق البؤبؤ يدل على العكس، حتى معدل رمش العين يعتبر إشارة تكشف عن مشاعر الناس ومدى تركيزهم.. وطبيعة العلاقة بين الأشخاص المتفاعلين. 

من الخطأ أن نتجاهل مدلولات حركات الجسد وتأثيراتها وخلفياتها النفسية؛ فالشخص السهل اللين في التواصل يمتلك قدرة على أن تتوافق لغة جسده مع نبرة الصوت وسياق الحديث، كما أن لديه قدرة على اكتشاف الحاسة الأغلب التي يتواصل بها الآخرون «السمعية والحسية والبصرية».

ودعوني أشير إلى أن «المرأة وبشكل فطري تعتبر أكثر إدراكا من الرجال.. لديها مقدرة على قراءة لغة الجسد والتقاط الإشارات غير اللفظية وفك رموزها.. فضلا عن تمتعها بعين دقيقة ترصد التفاصيل الصغيرة نتيجة لدورها الاجتماعي في الحياة».. ومع ذلك فالمرأة تميل غالبا إلى عدم الإفصاح لفظيا في مواقف كثيرة.

أذكر أنني حين بدأت الاهتمام بالتواصل الإنساني كانت تجذبني شخصيات لديها قدرة عجيبة على الاستئثار بالاهتمام حضورا وحديثا وتفاعلا.. لدرجة أنك ترى القلوب الحمراء تلمع في أعين الموجودين.. حضور طاغ واستماع حريص.. وقدرة عجيبة على التأثير، كنت أندهش كيف يفعلونها.. ومن أين لهم بهذه الكاريزما والثقافة ومهارات التواصل النافذة اجتماعيا ووظيفيا، وعرفت بعد ملاحظة وتقصي واستقراء أن السرّ يكمن في صدق ما يقال وتوافقه مع الأحاسيس التي تصل للطرف المتلقي، بحيث يستحيل أن تقف عاجزا أو متحيرا أمام تأويل حركات أجسادهم وتعبيراتهم، لأنها ذكاء حركي أصيل.

التساؤلات التي أريدها أن تستقبل منكم بكل بشاشة هي: لماذا يقف الشخص المرهف في علاقاته والنبيل في تصرفاته عاجزا عن مواجهة سوء الفهم وعدم التقدير والخداع؟ ولماذا نجد سهولة في التعامل مع بعض الناس ونجد صعوبة مع البعض الآخر؟

لماذا يدخل البعض قلوبنا منذ الوهلة الأولى ويبقون ولا يرحلون؟ ولماذا يخذلنا البعض في منتصف الطريق بالرغم من ائتلاف الأرواح المجندة.. لكنها انتهت إلى اختلاف؟

هل لأن البدايات كانت سطحية عند تأسيس العلاقات؟ وهل لأننا توسمنا بحسن ظن.. فأصدرنا تصنيفات شبه مؤكدة.. وهل لأن سقف التوقعات كان شامخا عاليا فأصاب التواصل في مقتل؟

الخلاصة.. أن الروح تنجذب لجميل الروح، ناضر الخلق.. أغرّ الفكر.. صادق الأصالة، تعكس ذلك الوجوه.. كالشمس المشرقة، وتظل البصيرة بوصلة القلب، وتظل العلامات جوهر تجربة التواصل وشعلتها.. «العلامات التي تظهر للحريص؛ واللاهي قد يمنح مؤشرات اليقظة».. وحتى لو كانت الخبرة واثقة في تحليل وتفسير لغة الجسد.. وحتى لو لم تسقط الأقنعة عما ينجح الآخرون في إخفائه عنا.. تبقى الفرص سانحة ولا تضيع إلا من يضيعها.


smileofswords@