حجاز مصلح

يوم التأسيس.. نحتفل فخرا

الأربعاء - 21 فبراير 2024

Wed - 21 Feb 2024


في الوقت الذي كانت دول الاستعمار تزيد من بسط نفوذها وتوسعها في المنطقة العربية بسبب ضعف وترهل الدولة العثمانية في الحفاظ عليها، هيأ الله قيام الدولة السعودية التي أسسها الإمام محمد بن سعود قبل ثلاثة قرون، حيث أسس كيانا سياسيا قويا حال دون تمكين القوة الاستعمارية من أن تكون لها قدم في الجزيرة العربية.

وفي الثاني والعشرين من فبراير عام 1727م أصبحت الدرعية عاصمة الدولة السعودية الأولى.

ولد الإمام محمد بن سعود بن محمد بن مقرن سنة 1090هـ – 1679م. نشأ في «الدرعية» واستفاد من التجربة التي خاضها في شبابه عندما عمل إلى جانب والده في ترتيب أحوال الإمارة، مما منحه المعرفة الكاملة بأحوالها.

شارك الإمام محمد بن سعود في الدفاع عن «الدرعية» عندما اجتاحها سعدون بن محمد زعيم بني خالد في الأحساء، واستطاع الصمود ودحر الجيش المعتدي، وعرفت عنه صفات كثيرة، كالتدين، وحب الخير، والشجاعة، والقدرة على التأثير، كان محمد بن سعود زيادة في تاريخ أسلافه الذين بنوا الدرعية وحكموها، ونقلوها من مدينة المدينة إلى دولة واسعة.

ومع احتدام الصراع الداخلي على إمارة الدرعية بين عم محمد والأمير زيد بن مرخان، وكذلك حملة الدرعية على العيينة، ومقتل الأمير زيد بن مرخان، وأيضا انتشار مرض الطاعون في شبه الجزيرة العربية أثناء تلك الفترة والتي تسبب في عدد كبير من الوفيات، استطاع الإمام محمد بن سعود التغلب كل هذه التحديات بمفرده، والمساهمة في نشر الاستقرار في المنطقة.

وكان له الأثر الكبير في استقرار الأوضاع في الإمارة قبل وصوله إلى السلطة، وفي الوقت نفسه كان للإمام محمد بن سعود رؤية ثاقبة، إذ درس الأوضاع في إمارته والإمارات المحيطة به على وجه الخصوص بلاد الشام.

ووسط الجزيرة العربية على وجه الخصوص.

ومنذ توليه السلطة، بدأ التخطيط للتغيير عن النمط السائد في تلك الأيام، ليؤسس مسارا جديدا في تاريخ المنطقة يتمثل في الوحدة والتعليم ونشر الثقافة وتعزيز التواصل بين أفراد المجتمع والحفاظ على الأمن.

وله أربعة أبناء: عبدالعزيز، وعبد الله، وسعود، وفيصل.

وذكر مطلعون موثوقون عن مكانة محمد بن سعود أنه كان رجلا كثير الخيرات والعبادات والتأمل والتدبر، مما يدل على أنه كان محبا لشخصيته في الاستقراء والتأني والرؤية المستقبلية.

كان والده سعود وجده محمد أميرين على إمارة الدرعية، وكانا أكبر قومهما.

وكان الإمام محمد كريم الطبع، ميسر الرزق، وكانت له ممتلكات كثيرة، منها النخيل والزرع.

وكان من كرم الإمام محمد بن سعود أن الرجل كان يأتي من البلاد يطلب منه الكثير ليوفي له دينه، فإذا علم أنه على حق أعطاه، وفي إحدى السنين أتاه رجل يشكو خسارة تجارته؛ فأعطاه الإمام محمد المبلغ كاملا.

فقال له من في المجلس: أتعطي المال لرجل لا تعرفه؟ قال «نعم .. الدنيا جعلت لكرامة بني آدم، فالخيّر منهم ذو الشرف إذا ذل ينبغي إعانته بما يمكن، لكي لا يزدريه السفل.. وإذا ذل الكريم فلابد من نصرته».

وكان من عادة الإمام محمد بن سعود أنه لا يرى شابا لا يملك شيئا من جهاز إلا جهزه، وأمره بالزواج، وإذا رفض أحد أن يعطي ابنته لشخص يخطبها لها وهو مناسب، مشى إليه بنفسه، وعاتبه على ذلك، وربما اشترط عليه ألا يتزوجه.

وإذا حدث لها ضرر في الملابس أو الأمتعة أو السكن فأنا مسؤول عنه.

وكان يفعل ذلك حيث كان الشرط لا محالة، وكان ذلك لحسن سلوكه وسيرته، ورغبته في شفاء جماعته وكثرة خيرهم بالتناسل والتعاضد، وكان يحب الخلوة وحيدا.

استمرت الدولة السعودية الأولى حتى عام 1818م وامتدادا لها تأسست الدولة السعودية الثانية على يدي الإمام تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود حتى عام 1891م وصولا إلى تأسيس الدولة السعودية الثالثة على يد المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود – رحمهم الله - جميعا عام 1902م، والتي تشهد نهضة وتطورا وازدهارا في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وعضده الأمين ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود – أيدهما الله -.

أخيرا، أدت العلاقة العميقة المنبثقة بين الحكام والأسر السعودية كونها روابط مبنية على الخير والتكافل والتكاتف والمحبة والمشاركة المجتمعية إلى مقاومة أي نفوذ استعماري يطأ المملكة منذ تأسيسها وحتى حاضرنا.

وهذا التاريخ يستحق أن نستذكر تفاصيله ونحتفي فخرا به وذكرى ثلاثة قرون من يوم تأسيسه، وإبراز عمقه التاريخي والحضاري، والاحتفال بالتراث الثقافي المتنوع، وفاء لمن أسهم في خدمة الوطن والدفاع عنه من الأئمة والملوك والمواطنين.


HIJAZMUSLEH@