بندر الزهراني

من الخيال الشعبي: قصة الجعيرة!

الثلاثاء - 30 أبريل 2024

Tue - 30 Apr 2024

سأروي لكم اليوم قصة مثيرة من قصص الخيال الشعبي والميثولوجيا التي كانت تحكيه جدتي لي كل ليلة قبل أن أنام، وجدتي - رحمها الله - كانت شاعرة، ومتمكنة وبارعة في القصص الشعبي، ككل الجدات في القرية من اللواتي كن ينظمن الشعر سجية، ويحبكن القصص والحكايات والروايات فنا وإبداعا، ولو كانت وسائل التواصل الاجتماعي في عصرهن كما هي اليوم ربما ملأنها محتوى هادفا وأدبا جميلا خالدا وثقافة ممتعة وثرية.

قلت لجدتي ذات ليلة: اضربي لي مثلا في المكر والخديعة وما يؤول إليه أمر صاحبها، فقالت: إنه في ليلة من الليالي كانت الجعيرة (أي الضبع وهو حيوان ليلي مفترس يأكل الجيف) تتسامر مع بقية الحيوانات في بيت الذئب، ولما طال السمر شعر الذئب بالملل والضجر، وخرج من مجلسه تاركا وراءه الثعلب يدير الجلسة، فقام الثعلب وقال: يا معشر الحيوانات ما رأيكم وقد غادر الذئب أن نأكل ما في مجلسه مما لذ من الطعام ونحتسي ما طاب من الشراب! قال القط: نعم الرأي أيها الثعلب!، فأكلت الحيوانات الحاضرة كل شيء حتى ما بقي إلا العظام، واحتارت ما تفعل بها، لأن الذئب لو رآها فتك بالموجودين جميعا ونكل بهم شر تنكيل!

وكان الثعلب يدور بين الحيوانات محتارا ماذا يفعل، وأين يخفي العظام، وبينما هو كذلك إذ رأى الجعيرة نائمة في زاوية من المجلس بعد أن أثخنت في الأكل وطفحت في الشرب، فجمع الحيوانات حوله وقال: لنضع العظام في بطن الجعيرة، فإذا جاء الذئب بطش بها دوننا، قال الحمار: نعم الرأي أيها الثعلب!، وقام كل حيوان مشترك في الجريمة يدخل بقايا ما أكله في فم الجعيرة النائمة، فلما صاح الديك وبان الصباح ذهبت كل الحيوانات إلا الجعيرة المثقلة بالعظام لم تستطع النهوض والقيام.

قلت: ثم ماذا يا جدة! قالت ألم تنم بعد؟ قلت: لا، قالت: عاد الذئب إلى مجلسه فلم يجد الطعام ولا الشراب، ورأى حال الجعيرة، فاقترب منها وخمش وجهها خمشة خفيفة، وسألها فيم كل هذا؟ بكت ولم ترد له جوابا، فتركها على حالها وذهب، ولما جاء المساء استدعى كل الحيوانات، وسألها من أكل الطعام؟ وكانت كل الأنظار تتجه نحو الجعيرة، فتقدم الثعلب نحوه وقال: يا سيدي دعني أبحث في هذا الأمر الجلل، فاستحسن قوله واطمأن لفعله، وأمره بالبحث في أمر الطعام المأكول والشراب المسكوب، ولما غادر الذئب مجلسه قام الثعلب وقال للمقربين منه همسا: كلوا واشربوا وضعوا بقايا أكلكم في فم الجعيرة إذا ما نامت، وتكرر هذا الحال ليلة بعد ليلة.

ولما تنبه الثعلب إلى أن الجعيرة الممتلئ بطنها بالعظام قد زاد وزنها، وأنها لا تستطيع الحراك، فكر ومكر ثم نظر وأعاد النظر، فذهب إلى الذئب واقترح عليه أن تضرم النار في ليلة مشهودة، وتؤمر الحيوانات بالقفز فوقها، ومن يقع فيها فهي جزاؤه المستحق، لأنه تجرأ وأكل من طعام الذئب وشرب من شرابه، فاستحسن الذئب رأي الثعلب، وأمر بتنفيذه، ولما اجتمعت الحيوانات للقفز فوق النار غاب الثعلب عن المشهد وسقطت الجعيرة في النار!

إلى هنا، ولا أدري ما فعل الذئب مع الثعلب وبقية الحيوانات، وهل عاقبها أم سلمت من العقاب وتحملته الجعيرة وحدها؟! لأنني كنت أنام وجدتي تحكي القصة، وكنت كل ليلة ألح عليها وأقول: يا جدة أرجوك (jump to conclusion)، لكنها كانت تسترسل في الرواية بصوت مثير كما لو كانت (مورغان فريمان) في فيلم وثائقي، وكانت تستطرد كثيرا وتستمتع بالاستطراد عندما تجيب على تساؤلاتي البريئة.

مثل هذه القصص وإن لم تكتمل أحداثها ونهايات فصولها إلا أنها مناسبة لبعض مشاهد وقصص المكر والخديعة اليومية البسيطة، وتصلح لأن تكون مادة تصويرية لتغذية عقول الأطفال، ولئلا يغرر بهم أو يقعوا لقمة سائغة وفريسة سهلة للآخرين، واسألوا جيلي ممن لم ينم عند هذا الحد من هذه القصة الميثولوجية المثيرة ليخبركم ما فعل الذئب بالثعلب والحيوانات المتورطة معه، ولا أخفيكم أنني بحثت عنها في كتاب (كليلة ودمنة)، فلم أجد لها أثرا، على الأقل بالنسق الذي كانت ترويه جدتي!

drbmaz@