عبدالله سعود العريفي

بدون زعل

الثلاثاء - 20 فبراير 2024

Tue - 20 Feb 2024


سأل صاحبه وهو سارح بأفكاره ويمر بلحظات من الشرود الذهني للتفكير في أمر قد شغله ولازمه في أوقات كثيرة وعلى فترات متباعدة عن أسباب تبدل العلاقات وتغير الروابط بين الناس في هذا العصر؛ فأجابه قائلا: إن العلاقات في المعتاد لا تتبدل بل إنها قد تضعف وتهزل وتمرض وتذهب قوتها وصحتها وقد يصل بها الحال إلى أن يحل بها الموت؛ فالعلاقات كائن يتميز بالحياة والتجدد والنمو وينشأ ويترعرع ويكبر ويزداد حجما وأيضا في المقابل قد يفنى وينتهي وجوده، وهي في أصلها ومنطلقها تقوم على الأخذ والعطاء وعلى منافع وفوائد متبادلة بين جميع الأطراف، ويمتلك الإنسان وسائل مؤثرة في تشييد تلك العلاقات وتقويتها وتثبيتها أو في المقابل تدميرها وتحطيمها وتفتيتها.
يعتبر الزعل من الصفات التي ليست موضع رغبة وطلب في كثير من العلاقات بين بني البشر وخاصة عندما يكون ذلك الزعل بدون أي علل أو أسباب من شأنها أن تحمل على الإقناع، حتى أنه يقال: «فلان نفسه بطرف خشمه» و»فلان نفسه شينة» بمعنى أنه زعول أي أنه يتصف بكثرة الزعل وغلاظة القلب وفظاظة الطباع ويعالج المواقف بسطحية وافتقار إلى الحكمة ويتعامل مع المشاهد بسذاجة عجيبة، وقد يصاب به الإنسان الأمر الذي يجعله يعاني من الإرهاق العاطفي المستمر والشعور بالألم بكافة أنواعه ومختلف أشكاله بشكل كبير.

وهو من الناحية النفسية عبارة عن مشاعر يعبر عنها كرد فعل على مختلف الأفكار والمواقف التي قد يواجهها وقد تكون تلك الحالة نتيجة لبعض العوامل النفسية أو التنشئة الاجتماعية والتي تبدأ من الأسرة بما تحويه من أفراد وعلاقات واتصالات، والتي تكون مسؤولة عن عملية التنشئة الأسرية التي تساعد في بناء وتكوين شخصية الإنسان وبالتالي احتكاكه بمجتمعه وبمحيطه الاجتماعي وبالعالم الخارجي، وهذه الحالة قد تكون استجابة حسية انفعالية تجاه كل تصرف أو سلوك كان فيه على غير اتفاق أو لم يتم تلبية طلباته وتحقيق أمنياته وقبول وجهات نظره.

الزعل عمل غير ناضج تشوبه صفات الأطفال لجعل الآخر ينصاع ويرضخ للأمر الواقع ويذعن ويلين، وهو علامة على ضعف تفسير المواقف بموضوعية وواقعية وبتأن وعدم تسرع، ودلالة على قلة النضج الانفعالي والذي يعد متطلبا لازما لحياة قانعة مطمئنة هادئة وراضية وعاملا رئيسيا في طريقة التواصل والتفاهم والتعامل؛ فالتعطش والتتوق بأن يكون الإنسان دائما على صواب والتشوق بأن يكون باستمرار على حق هو علامة على عدم النضج الانفعالي.

قد يوجد لدى البعض نضج عقلي وتفاعل وتراكم للتجارب المختلفة وتجمع للممارسات المتنوعة وازدياد للخبرات المتفاوتة ولكن ليس لديه نضجا انفعاليا يوصله إلى مرحلة من الاستقرار النفسي التي تتيح لصاحبها التحكم في انفعالاته وردود أفعاله المختلفة، وذلك - بلا شك – يدل على عدم اكتمال مداركه؛ فيتصرف مع المواقف التي تغضبه بطريقة لا تليق بعقله؛ مما يجعله يُقحم نفسه في خصومات كبيرة ويوقعها في هجران طويل يدمر الروابط الوثيقة ويحطم العلاقات المتينة ويفتت الأواصر الثابتة؛ فالحاجة ملحة إلى تعلم كيفية التفكير بدقة متناهية وفعالية كبيرة وذلك يعتبر أحد المكونات الأساسية في الصحة النفسية.

كما أن الحاجة ماسة إلى إعادة ترتيب السلوكيات والتصرفات خلال التعامل مع الخلافات في مختلف مواقف الحياة اليومية وتنمية الصفات التي تعين على مواجهة صعوبات الحياة وتخطي عقباتها بقوة ونجاح وبدون زعل.