وليد الزامل

التخطيط بين اللامبالاة والنظرية العبثية!!

السبت - 03 فبراير 2024

Sat - 03 Feb 2024

عندما نحاول تشغيل جهاز كهربائي ولا نجد استجابة يقوم البعض بالنفخ بالجهاز أو تنظيف المقبس لإزالة الغبار ثم تجربه تشغيل الجهاز مرة أخرى.

أحيانا يعمل الجهاز بعد عدة محاولات ولكننا لسنا على يقين تام أن السبب هو ذاك الغبار العالق في المقبس. على أي حال، مثل هذا التصرف العبثي هو أحد الحلول «المرتجلة» التي يقوم بها البعض للتعامل مع الغيبيات في المدن وكما قيل في الأمثال «الإنسان عدو ما يجهل»، فهو لا يحاول أن يفهم أو يتعصب لفكرة ما يعتقد أنها الأصوب.

هناك عدة أفكار يمكن أن تقود إلى حلول سريعة وأقل كلفة ولكن الإنسان لا يحاول تجربتها؛ إما لأنه يتعصب أو يجهل.

إن التخطيط يقتضي فهم البيئة التي نعيش فيها للوصول إلى الحلول الناجعة، فاستهلاك المجتمعات للموارد دون الحفاظ على حقوق الأجيال القادمة، أو عدم وجود أي خطط تنموية مستدامة سيؤدي بالتأكيد إلى مخاطر تنعكس سلبا على المجتمع.

وعليه فالحلول «المرتجلة» لن تضمن لنا استمرار الحياة في المدن برخاء.

في الاقتصاد الكلاسيكي هناك فرق بين الخطر وعدم اليقين، حيث يشير الخطر إلى الفعل العشوائي معلوم العواقب؛ ولكن عدم اليقين يشير إلى الفعل العشوائي مجهول العواقب.

فعندما تضع أصبعك داخل تيار كهربائي في وضع التشغيل فهذا خطر معلوم العواقب؛ أما عندما تقوم بالنفخ داخل جهاز ذكي فهذا فعل عشوائي مجهول العواقب.

وفي السياق ذاته، يدخل مفهوم الارتجال في نطاق علاقة الإنسان بالبيئة حيث توصف هذه الأعمال بالنظرية العبثية وهي السلوك غير المنهجي لاستمرار حياة الإنسان.

وفقا لذلك، فإن تطوير هذا النموذج العبثي البسيط إلى نموذج عبثي أكثر تعقيدا يمكن أن يتم خلال منهجه التحول من السلوك الفرداني إلى السلوك الجمعي، والتعلم، وإدارة العمل الجماعي.

فالمنظمات هي شكل من أشكال التنظيم الاجتماعي لتبادل المعلومات حول المخاطر التي تواجه المدن.

على الرغم من أننا لا نستطيع التنبؤ بالكثير من الإشكالات الحضرية ولكن يمكننا بناء مدن مرنة قادرة على الاستجابة أو ممارسة السيطرة واستشراف المستقبل. بمعنى آخر، التخطيط، والعلم، والعمل الجمعي يضمن حياة مستقرة ومستدامة للجميع.

ولا غرابة في القول إن السلوك البشري يميل أحيانا إلى الاتجاه العقلاني تارة والاتجاه غير العقلاني تارة أخرى بسبب المصالح الاقتصادية وهو ما وصفه Raymond Bryant في مبحث «النظر إلى الهاوية: البيئة والبحث والتحليل» بعصر الانتحار الجماعي البطيء فنحن نعلم المشكلة ونعلم عواقبها ولكننا نتجاهلها أحيانا لمصالح فردية أو أهداف آنية. تهدف النظرية العبثية إلى معالجة العلاقة بين الإنسان والبيئة من أجل الوصول إلى الحقائق العلمية أو الأسباب الحقيقية للمشكلة.

تؤكد هذه النظرية على صعوبة الوصول إلى اليقين المطلق أو إزالة الضبابية للبيئة التي نعيش فيها، وهي بذلك تبحث في معاني الوجود، ورفض الأفكار الميتافيزيقية غير الخاضعة للدليل العلمي، والدراسة الفلسفية لطبيعة الوجود (الأنطولوجيا).

إن العبثية في العلاقة بين الإنسان والبيئة أو «الأنا» و»العالم» تأتي في سياق أن كل منهم لم يفهم الآخر أو لا يبالي بالآخر. تحاول النظرية تعزيز الجانب العلمي للحياة الاجتماعية والتحرر المُطلق من الفكر الاجتماعي الميتافيزيقي أو التعصب الديني والمذهبي.

المجتمعات اليوم تعيش في صراع مستمر وفي ظل نظام اقتصادي رتيب، الناس فيه يلهثون نحو تحقيق المكاسب يوما بعد يوم، غير مبالين بما سوف يحدث في المستقبل. كل ذلك يحدث على الرغم من الضباب الداكن الذي أراه حول المدن التي يعيشون فيها!

@waleed_zm