بندر الزهراني

الأستاذ الجامعي ودوره المجتمعي!

الأربعاء - 25 أكتوبر 2023

Wed - 25 Oct 2023

في صفحة «قضية ورأي» في صحيفة مكة في عددها الصادر يوم 23 يوليو 2023م، طرح بعض الزملاء من كتاب الرأي آراءهم حول أهمية مشاركة الأستاذ الجامعي في نشاطات المجتمع المدنية والثقافية، وهي آراء قيمة وجديرة بالاهتمام، بلا شك، وناقشوا باستفاضة تساؤل الصحيفة المطروح والقائل افتراضا: هل من المقبول أن تفرض الجامعة على الأستاذ الجامعي قيودا حال الكتابة أو المشاركة الثقافية؟

والواقع أنه لا أحد ينكر أو يجهل أهمية مشاركة الأستاذ الجامعي الواعي بدوره الفكري والملتزم بثوابته الوطنية في نشاطات المجتمع الفكرية والثقافية، ولا أظن أن أحدا يقف حاجزا أمام ممارسة الأستاذ الجامعي لدوره التثقيفي والتنويري، ذلك لأن جذور أي نشاط فكري لا بد وأن تكون ذات صلة بالفلسفة والعلوم، والجامعات -من وجهة نظري- حاضنات حقيقية للإبداع الفكري والتفوق الإنساني، وفي اعتقادي أن كل أستاذ جامعي يجب أن يكون فيلسوفا مفكرا، وليس بالضرورة أن يكون كل مفكر ومثقف أستاذا جامعيا، وهذا ما يجعل دور الأستاذ الجامعي في المناشط الفكرية والثقافية دورا محوريا وضروريا، ولا غنى عنه.

شخصيا، لا أعلم أن الجامعات تمنع أعضاءها من ممارسة الثقافة والفكر والفلسفة بأي شكل من الأشكال، بل على العكس تماما، فجامعاتنا تعي جيدا دورها التنويري والتثقيفي، وكل برامجها وأنشطتها الفكرية تنسجم مع هذا الدور، ومن خلال تجربتي الشخصية ومما ألمسه وألاحظه أن كل جامعاتنا -ولله الحمد- دأبت على استنهاض الهمم الفكرية والطاقات الإبداعية المنضبطة بما تتضمنه المبادئ والقواعد الشرعية وتحدده الثوابت الوطنية وتنبثق منه عاداتنا وتقالدينا الأصيلة.

وجامعاتنا منذ إنشائها وهي بكل فخر واعتزاز اعتادت على مد القطاعات العامة والخاصة بأعضائها في مجالات مختلفة كالاستشارات في الإدارة والاقتصاد والرياضة والإعلام، فكثير من ضيوف ومحللي القنوات الرسمية والفضائية والمطبوعات الإعلامية هم من أساتذة الجامعات، وأغلبية أعضاء مجلس الشورى منذ تأسيسه وإلى اليوم هم من أساتذة الجامعات، وكذلك معظم أئمة وخطباء الحرمين الشريفين هم من أساتذة الجامعات، وأيضا هناك مجموعة كبيرة من الشعراء والأدباء والنقاد وأعضاء الأندية الأدبية، وبعض الفنانين، وكتاب الرأي في الصحف المحلية هم أساتذة في جامعاتهم.

ولذلك أجدني لا أتفق بتاتا مع القول القائل افتراضا بأن الجامعات تضع قيودا على الأستاذ الجامعي حال ولوجه ساحات الإبداع الفكري والثقافي، أو أنها تدرس وضع قيود تحد من نشاط الأكاديميين المجتمعي، أولا لأن هذا القول يتعارض مع الواقع المنظور، وثانيا لأنه يتنافى مع رسالة الجامعة وأهدافها التثقيفية ويتعارض مع دورها الإثرائي في تطوير الوعي المجتمعي وتنويع مصادر الفكر والثقافة، فما الجامعات إلا بأعضائها البارزين من فلاسفة ومفكرين.

ولكن، وكما أن الجامعات كيانات حاضنة للفكر والفلسفة وداعما معنويا وماديا لها فإن الأستاذ الجامعي مطالب في المقابل بأن يكون معتدلا في فكره ومشاركاته الثقافية، ملتزما بالأنظمة العامة، مراعيا لأخلاق المجتمع وعاداته، متطلعا لأن يكون عاملا إيجابيا فيما يشهده الوطن من نهضة مباركة ونمو وازدهار، وأن يكون خط الدفاع الأول عن وطنه وقيادته بما يملكه من حس ثقافي ومزايا إبداعية.

وإن قلنا بفتور بعض الجامعات عن مد الساحة الثقافية بأكاديميين مبدعين في فترات معينة، فالسبب -من وجهة نظري- لا يرجع لوجود قيود تحد من أنشطتهم الفكرية، لا أبدا، وإنما بسبب وجود بعض الإدارات التقليدية التي عادة ما تخشى النقد الهادف الموضوعي، وتلوذ بالصمت أو تسعى لإحاطة أنشطتها بما يشبه هالات ضوئية، تعتقد معها أنها فوق النقد والملاحظة، وإن نحن حصرنا تلكم الإدارات في الأكاديميين من الفلاسفة والمفكرين والإداريين المبدعين نكون عندئذ قد تخلصنا من عقد التعثر ومخاوف الإخفاق، وكانت الجامعات في طليعة من يباشر ساحات الثقافة والفكر والإبداع، كما هو حال بعض جامعاتنا ولله الحمد.

drbmaz@