عبدالله قاسم العنزي

فن إدارة وسائل الإثبات في الخصومة

الاحد - 20 مارس 2022

Sun - 20 Mar 2022

تعتبر الدعوى الطريقة الفنية بيد أصحابها للمحافظة أو المطالبة بحقوقهم؛ فبرفع هذه الدعوى أمام القضاء تنشأ حالة قانونية جديدة اصطلح على تسميتها بالخصومة، وتعرف بأنها مجموعة الإجراءات والوسائل المستعملة من وقت افتتاح الخصومة بالمطالبة القضائية إلى وقت انتهائها، ومن هذه الوسائل المستعملة إجراءات الإثبات، حيث يصعب تحديد مع من الحق وما هي البراهين والأدلة التي يستند إليها؟

عملا بالحديث «لو يعطى الناس بدعواهم لادعى رجال أموال قوم ودماءهم ولكن البينة على المدعي واليمين على من أنكر»، وعلى ذلك لا يكاد المرء ينظر في مسألة الخصومة حتى تتزاحم في خاطره أمور أبرزها كيف تدار وسائل الإثبات في اشتباك أدلة الخصوم؟!

إن إدارة عبء الإثبات وعضد الأدلة بالقرائن في ظل مبدأ حياد القاضي لا يحسنها إلا من لديه مراس وباع في إدارة الخصوم وفن الحوار والإقناع، ومعرفة متى يستخدم الأدلة وما الدليل الذي يقدمه أمام محكمة الدرجة الأولى، وما هي الأدلة التي يجعلها ورقة أخيرة يخاصم بها أمام محاكم الاستئناف، أو كيف يكشف ضعف أدلة الخصم وعدم مصداقيتها.

وعودة إلى مسألة عبء الإثبات توضيحا لأهميتها فإنه يكون على من ادعى خلاف الظاهر، ومن ثم يلقى عليه عبء الإثبات لأنه هو المكلف بإقامة الدليل، ذلك أن كل خبر يحتمل الصدق والكذب، والادعاء المجرد لا يخرج عن مجرد كونه خبرا فلا بد من دعمه بحجة.

والقصد من جعل البينة في جانب المدعي لأنه يدعي خلاف الظاهر فكانت البينة عليه لإظهار ما خفي في الواقعة محل الدعوى، وإثبات أن الظاهر ليس على حقيقته، أما المدعى عليه فلا يكلف بإقامة بينة لأن قوله مؤيد بالظاهر وهذا الأصل من الأمور المرجحة لجانب أحد المتداعيين على الآخر، وبالتالي فمن يتمسك به يكون جانبه قويا ويكون الظاهر أن الحق في جانبه ومنه فإنه يعفى من تحمل عبء الإثبات، أما الطرف الآخر الذي يكون قوله مخالفا لهذا الأصل فعليه يقع عبء الإثبات. وفي وسط هذا النزاع تأتي مهارة إدارة أدلة الإثبات وكيفية التعامل معها لإثبات الحق لأن الأمر ليس بالهين السهل، فليس كل من رفع دعوى أمام القضاء يعد صاحب الحق في نظر القضاء، فقد يتحول الأمر بعد اشتباك أقوال الخصوم وأدلتهم إلى أن يكون المدعي مدعى عليه والمدعى عليه مدعيا ليس لأن الأول هو من رفع الدعوى أو أن الثاني تحصن بالإنكار، بل لأن أحد طرفي الخصومة ترجحت بيناته وكان دليله أقوى.

ومن واقع تجربة فبعض الخصوم لا يحسن الاختصام والتعامل مع الأدلة والبينات التي بيده وهذا أمر ليس بمعيب، ولو كان معيبا لما وكل حسان بن ثابت، عبدالله بن عباس في خصومة قضائية في مجلس عمر بن الخطاب، وأيضا ثبت أن علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، كان يكره الخصومة، وكان إذا خاصم أحدا وكل فيها عقيل بن أبي طالب.

وخلاصة القول: فإن عبء الإثبات يتقاذفه كلا الخصمين في مجلس القضاء وهو الأمر الذي لا يحسنه البعض، وهو ما عبرت به السنة المطهرة، فقد جاء في الحديث «إنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض؛ فأقضي له على نحو مما أسمع، فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فإنما أقطع له قطعة من النار، فليأخذها أو يذرها»، عليه فإنه من المهم والضروري حالة عجزت عن إقامة الدليل ضد خصمك أو كرهت الاختصام أو مراجعة المحاكم والدوائر القضائية أن توكل محاميا يختصم نيابة عنك.

expert_55@