خالد العويجان

الجمر تحت النيران الخامدة

الاحد - 09 يونيو 2024

Sun - 09 Jun 2024

اليوم العُقد في المنطقة لا تعد ولا تحصى، وغدا ستصبح أكثر وبأشكال وملفات متفاوتة.

كل ملف له وضعه الخاصة، وله أيضا ما له من جمره الخاص، والنار إذا اندلعت ستحرق الجميع في بعض الأحوال والظروف.

في الشرق الأوسط والمنطقة التي نستقر بها على وجه التحديد، مئات من حزم الأشواك والقنابل الموقوتة: في إيران بركان ينتظر ثورته في أي وقت.

والعراق مفكك وتتسيد فيه الطائفية والمذهبية.

ولبنان مشتعل في الأصل منذ عشرات السنين، حيث ظل اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية ورعته المملكة العربية السعودية؛ هو الوحيد الذي يقاتل من أجل إخماد النار اللبنانية.

وسوريا مدمرة عن بكرة أبيها.

واليمن مختطف إلى المجهول على حساب أجندة خارجية؛ أحرقت الحرث والنسل.

والسودان يعاني من نزاع رفقاء البنادق.

وفلسطين بمفهومها الكبير تعيش فرقة داخلية عميقة؛ وحرب مع عدو شرس، آلته العسكرية لا ترحم، ولا تبقي ولا تذر.

الضفة تعاني في الأساس من تركيبة ديمغرافية أكل عليها الإسرائيليون وشربوا، مفككة.

وفي غزة نار الله الموقدة.

ومع الوقت امتهن البعض على النطاق الغزاوي الداخلي والخارجي مهنة صب الزيت على النار؛ لأن ذلك يحقق منافع شخصية وحزبية، البعض منها في أفق ضيق، والآخر عابر للقارات.

فكرتي هذا النهار قائمة على محورين، الأول: أن أوضاع المنطقة الملتهبة كانت بحاجة إلى مزيد من الحكمة.

وهذا جسدته بلادي المملكة، التي نافحت ولا تزال عن حقوق الشعوب العربية المضطهدة، سواء على صعيدها الداخلي، أو الخارجي. والمحور الثاني؛ كيف يمكن أن يكون حال الأيام المقبلة؟

فيما يتعلق بالمملكة، فالجميع يعي حتى وإن أنكر البعض أدوارها وحكمتها واتزان سياستها الخارجية، كيف وضعت وتضع المملكة كل موازين ثقلها الديني والسياسي والاقتصادي والاجتماعي في خدمة دول المنطقة.

مثل ماذا؟ الاتفاق المرتقب مع الولايات المتحدة الأمريكية المتعلق بالدفاع المشترك، الذي احتوى على بنود ربما لا تخطر على بال أحد من المطبلين ضد السعودية.

كوقف الحرب العبثية في غزة وهو شرط سعودي غير قابل للتنازل، بل حتى التفاوض، بالإضافة إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية.

وهذا هو الثمن المطلوب في الرياض، التي حسب ما أفهم سياستها، لن تحرك كثيرا من الملفات الساكنة، قبل قبضه، ومن ثم التنفيذ.

وذلك سبق وأن كتبت عنه في هذه الصحيفة.

وفيما يتعلق بالمحور الآخر، فالعالم بأسره مشغول في مصالحه الخاصة.

إنما هناك من يضع نفسه في ميزان المصلح العام، وأنه مفتاح المبادرات، كواشنطن على سبيل المثال، التي تسعى بشكل أو بآخر إلى توظيف الاتفاق السعودي – الأمريكي، لتسوية بعض ملفات المنطقة الشائكة.

ربما يهم الإدارة الحالية التي يتزعمها جو بايدن تنفيذ صفقاته وأجنداته، بعيدا عن الاعتبارات المرتبطة بدول المنطقة المؤثرة.

وذلك بدون أدنى شك، يدخل في الحسابات الداخلية الأمريكية المرتبطة في الانتخابات، ويذكرنا الأمر الاتفاق النووي الذي أبرمته إدارة باراك أوباما مع إيران في ملف تخصيب اليورانيوم، وحقق بذلك مكاسب حزبية، كما تلك التي حققها دونالد ترمب، الذي مزق ذات الاتفاق بعد حين.

يمكن أن بايدن لم يع بعد هو وإدارته، أن الظروف اختلفت عما كانت عليه، ويجب أن يثق رجال السياسة في واشنطن، بأن جميع ما حاولوا إقناع نظرائهم في تل أبيب به، بطريقة أو بأخرى، كما تشي الظروف، وبحسب المعطيات، يستحيل تحقيقه.

بمعنى أن العديد من الفرص لم تعد سانحة كما كانت عليه.

وهذا ليس من ضرب الخيال، إنما يمكن فهمه من تقرير استخباراتي أمريكي، نقلته شبكة «سي إن إن» الأمريكية؛ قيم في مضمونه وجود عدد من المنافذ التي يستطيع من خلالها بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي التملص من أي ضغوط أمريكية.

ولم يتوقف التقرير عند هذا الحد، حين بلغ مبلغ النبش في عقلية وذهنية رئيس الوزراء الإسرائيلي، وأشار صراحة إلى رغبته في مواصلة حالة العناد التي يعيشها بوجه الإدارة الأمريكية الحالية، وذلك في أعقاب خطة تم وضعها على الطاولة، من المفترض أنها ستنهي الحرب في قطاع غزة.

ويعتقد التقرير الاستخباراتي الأمريكي أن بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي، ماض في تحقيق مبتغاه، الذي يرمي إلى تدمير قطاع غزة، والقضاء على حركة حماس، وهي الورقة التي سوق لها في أهدافه الحزبية.

ماذا يعني ذلك؟ يعني أن واشنطن لم تعد قادرة على امتلاك زمام التصرف في من يدير إسرائيل كما كان في السابق.

قد أكون تعمدت خلط الأوراق في هذه السطور، وهذا ليس مني، إنما من قراءة ملفات المنطقة المشتعلة، وهو ما جعلني أتصور أن القادم من الأيام أكثر سوادا، لأن السياسة اختلطت بالمصالح الحزبية، والانتخابية التي تعتبر مفتاحا للحمقى أن يتسيدوا المنابر.

كتبت هنا وأنا في سابع سماء، وعبرت عن الخشية، الناجمة عن خوف مطلق، من أن يشتعل كثير من الجمر الكامن تحت الرماد.

وفي رواية؛ أسفل نيران خامدة. المهم ألا نحترق معهم.. وهم فليحترقوا.