زيد الفضيل

مئوية النشر السعودي

السبت - 08 يونيو 2024

Sat - 08 Jun 2024

يمر على المملكة العربية السعودية بنهاية هذا العام 1445هـ مائة عام من النشر، حيث جرى طباعة أولى الكتب ونشرها في 1344 و1345هـ من قبل رائد النشر الأول على الصعيد الفردي وهو الأديب الشيخ محمد سرور الصبان الذي تكفل بطباعة كتابين اشترك في تأليفهما مجموعة من النخبة المعرفية في الحجاز مع ابتداء حكم الملك عبدالعزيز يرحمه الله، وهما كتاب «أدب الحجاز» ثم كتاب «المعرض»، كما نشر كتابا منفردا وهو «خواطر مصرحة» للأديب محمد حسن عواد.

وتعد الكتب الثلاثة باكورة النشر المعرفي في المملكة العربية السعودية، والتي تلتها إصدارات متعددة جرى طباعتها ونشرها بالتوالي لعديد من جيل الرواد؛ وكما مثل الشيخ الصبان رائدا وداعما لحركة النشر من خلال مكتبته التي أسماها المكتبة الحجازية، فيمثل الشيخ عبدالعزيز الرفاعي الرائد الثاني للنشر في السعودية من خلال دارته وما أنتجته من مطبوعات مهمة لكثير من جيل الرواد، وكان ثالثهم الشيخ عبدالمقصود خوجة الذي كرم المثقفين في اثنينيته الشهيرة، وأعاد جمع شتات تراث جيل الرواد الذي كان يمكن أن يندثر ويتلاشى، وشكل لذلك فريق عمل متخصصا كان على رأسهم الأديب الكبير الدكتور عاصم حمدان يرحمهم الله جميعا.

على الصعيد المؤسسي فلا يمكن لأي راصد أن يغفل دور شركة تهامة التي اهتمت بطباعة ونشر كتب الرواد علاوة على مؤلفات الكتاب السعوديين، وكان لها المساهمة في نشر الثقافة السعودية وتعريف العالم العربي بالمؤلف والكتاب السعودي.

أشير إلى ما سبق وكلي رجاء في أن يتبنى وزير الثقافة الأمير بدر بن فرحان المشروع التوثيقي لنشأة وتطور الحركة المعرفية في المملكة العربية السعودية، الذي ابتدأه مركز الخليج للأبحاث، وقام بتسجيل عديد من الحلقات مع عدد من المتخصصين، والتي وثقت للحركة المعرفية منذ ابتداء العهد السعودي وحتى نهاية القرن العشرين، وكان أن توج المشروع قبل أيام بحلقة نوعية مع الأديب والباحث حسين بافقيه تم وسمها باسم «مئوية النشر السعودي».

في هذا السياق فقد أنشئ في مكة المكرمة عام 1300هـ/1882م ثاني مطبعة في شبه الجزيرة العربية، وعرفت باسم المطبعة الأميرية، ثم تغير اسمها بعد توحيد المملكة لتصبح «مطبعة أم القرى»، التي صدرت عنها الجريدة الرسمية للمملكة وهي جريدة «أم القرى»؛ ومع صدور أول نظام المطبوعات في العهد السعودي عام 1347هـ/1927م توالى إنشاء العديد من المطابع التي ساهمت في زيادة حركة النشر وطباعة الصحف الوطنية والكتب المعرفية، وهو ما يمثل التوطئة الأولى للنشر في المملكة العربية السعودية.

لقد مثلت جريدة «أم القرى» الأسبوعية الصادرة بمكة المكرمة في الـ15 من جمادى الأولى 1343هـ/12 ديسمبر1924م أول صحيفة في العهد السعودي، تلتها جريدة «صوت الحجاز» الأسبوعية، التي شكلت قاعدة لتأسيس جريدة «البلاد»، لتكون بمثابة الصحيفة الثانية من حيث الإصدار في المملكة العربية السعودية من بعد صحيفة «أم القرى»، والأولى على الصعيد الأهلي.

كما تتابع المثقفون السعوديون لإنشاء العديد من الصحف والمجلات التي ساهمت في نشر الثقافة السعودية وتعريف العالم العربي بها، ومن ذلك ما قام به الأديب عبدالفتاح أبو مدين الذي أصدر ورفاقه محمد سعيد باعشن ومحمد أمين يحيى وعبدالعزيز أبو خيال صحيفة «الأضواء»، التي صدر أول عدد منها في السادس من ذي القعدة 1376هـ/4 يونيو1957م، وكانت سباقة في إصدار كتاب شهري عن الجريدة، وهو ما يحسب ويسجل لها كجهد صحافي ثقافي متفرد؛ وحين توقفت الجريدة بعد سنتين أصدر عبدالفتاح أبو مدين في الأول من ربيع الأول 1379هـ/4 ديسمبر1959م مجلة الرائد، وهي مجلة نصف شهرية ثم أسبوعية تعنى بنشر الأدب والثقافة وشؤون الفكر والاجتماع والرياضة.

هذا جانب من تاريخ حركة النشر في المملكة العربية السعودية الذي يكاد يكون مجهولا لدى عديد من المشتغلين بالثقافة اليوم، وهو جدير بأن يتم توثيقه ورصده وإبرازه للجمهور، لنقول للعالم إننا مجتمع ثقافي منذ الابتداء، وأن ما ننتجه اليوم هو استكمال لما أنتجه جيل الرواد، فالثقافة تراكم، وهي بناء فوق بناء.

zash113@