ياسر عمر سندي

بين الكسكسة والكشكشة

الأربعاء - 22 ديسمبر 2021

Wed - 22 Dec 2021

«رب صدفة خير من ألف ميعاد»؛ إذا التقى ثالوث الصدفة؛ الزمان والمكان والإنسان؛ ويبدو أنني عشت واقع المثل منذ أيام أثناء مقابلتي لصديقين قديمين استرجعنا معا شريط الذكريات لماضينا الجميل، وقادنا الحوار للتحدث عن روعة اللغة العربية التي أحببناها بسبب معلمنا آنذاك الأستاذ محمد علي قطشه رحمه الله؛ الذي كان يمتلك أسلوبا أدبيا وتربويا راقيا في إيصال المعلومة؛ أذكر ذلك الفصل والمقعد الخشبي العتيق، حيث كان يجلس عن يميني عبدالمحسن صاحب الابتسامة الساحرة وعن شمالي إبراهيم صاحب النكتة الحاضرة.

الدكتور عبدالمحسن من منطقة القصيم التي تقع تقريبا وسط المملكة؛ والدكتور إبراهيم من محافظة النماص جنوب المملكة؛ دار الحوار بيننا طويلا ومن المواضيع التي تطرقنا إليها عمق وغزارة اللغة العربية على مختلف لهجاتها المناطقية داخل المملكة؛ وكما هي عادته الدكتور إبراهيم بامتلاكه حس الدعابة ألقى بلسانه لهجة «الكشكشة»، وهي لغة قديمة رددها على مسامعنا في حواره اللطيف؛ بإبدال الكاف بحرفي التاء والشين مثل «عليتش، وفيتش، وعمرتش» بطريقة ممتعة في نطقها وسهلة في حوارها وشيقة في سماعها الأمر الذي جعل الآخر مبتسما ليحاوره ردا عليه بلغة «الكسكسة» العتيقة باللهجة القصيمية بإضافة حرفي التاء والسين بدل الكاف؛ مثل «شلونتس وعلومتس واخبارتس».

الثامن عشر من شهر ديسمبر كانون الأول؛ من كل عام هو اليوم العالمي للغة العربية والذي تم اعتماده من قبل الأمم المتحدة في 1973م، ليكون هذا اليوم شاهدا على عظمة ومكانة لغة القرآن ولغة الضاد ولغة الإعجاز التي يتقنها العرب على مختلف ألوانهم وألسنتهم وبحسب إرثهم الثقافي وطريقة نطقهم.

هنالك 11 آية واضحة في مصدرنا التشريعي الأول تشير إلى لغتنا العربية؛ والتي جاءت على 7 أحرف أي طرائق للنطق، وهي أوجه الرخصة والإذن لكل قبيلة ومنطقة من باب التيسير والتمكين لقراءة القرآن وحفظه؛ حيث اشتمل كذلك على 40 لغة أي لسان من لغات العرب وهنالك عدد من القراءات المتنوعة.

استطردنا في حديثنا كذلك عن وجود بعض اللهجات القديمة واستعمالاتها إلى يومنا الحاضر مثل «الشنشنة» وهي لسان يبدل الكاف شينا خالصة مثل «عليش وفيش وعمرش»؛ وأيضا لهجة «العنعنة» وهي إبدال همزة القطع بحرف العين مثل «السُعال وأصلها السؤال»؛ ولهجة «الفحفحة» وهي قلب الحاء إلى حرف العين الخالصة مثل «اللعم وأصلها اللحم»؛ ولهجة «الجأجأة» وهي قلب حرف الجيم للياء مثل «اليديد وأصلها الجديد»؛ ولهجة الاستنطاء مثل «أنطيك وأصلها أعطيك» ولهجة الطمطمانية وهي قلب حرف اللام إلى الميم مثل «إمبر وأصلها البر».

غير الناطقين بالعربية قد يرون أنها صعبة؛ وهي في المقابل تحمل بين طياتها اللين؛ وهذا ما يطلق عليه السهل الممتنع؛ من جمالها وإعجازها ومرونتها لأنها تجري على كل لسان في قراءة القرآن؛ وليثبت بذلك الحق جل وعلا حفظه لكتابه في كل زمان ومكان وتمكنه من كل قلب ووجدان.

القوة الناعمة تكمن في اللغة العربية هذا الإرث اللغوي والركن الصلب من أركان التنوع الثقافي العالمي؛ التي يتحدثها يوميا ما يزيد عن 400 مليون نسمة من سكان المعمورة؛ حيث تعتبر من لغات العمل الرسمي الست المعتمدة لدى الأمم المتحدة.

أقترح على وزارتي السياحة والثقافة التحالف في ذلك لوضعه في الأجندة المستقبلية من خلال برنامج تعريفي خاص للوفود السياحية على هذه الثقافة اللغوية الضاربة في جذور التاريخ للجزيرة العربية من خلال التعدد الحضاري للهجات واللغات بشتى الألسن العربية داخل المملكة للوصول إلى رؤية 2030.

Yos123Omar@