طارق علي الصالحي

لمجتمع صحي: مراكز اللياقة بالتأمين الطبي والجسم المثالي بالتقييمات الوظيفية

الأربعاء - 07 يوليو 2021

Wed - 07 Jul 2021

عندما بدأت أول شركات التأمين العالمية عام 1883م في تغطية تكاليف التأمين الطبي لمنسوبي المؤسسات الحكومية والخاصة، لم يكن الهدف منها أكثر من دفع فواتير علاج العاملين والحرفيين المرضى لضمان استمراريتهم بالعمل حتى آخر يوم في حياتهم، أما في وقتنا الحاضر فلم يعد الأمر كذلك، حيث تطالب دول العالم المتقدم شركات التأمين الطبية بتقديم الكثير من التسهيلات الصحية ذات الطابع الوقائي للموظفين، كتغطية تكاليف العناية بالأسنان وعمليات تصحيح النظر وجلسات العلاج الطبيعي والنفسي، وغيرها من التدخلات الوقائية التي تحافظ على صحة الموظفين وتحميهم قبل السقوط في مستنقع الأمراض المزمنة!

فالتوجه المتسارع لبعض دول العالم لمثل هذه المطالب يعود إلى إدراكها التام لما تعانيه شعوبها من سيطرة الوسائل التكنولوجية المختلفة التي قيدت حركتهم وأصابتهم بالخمول البدني الذي جلب لهم عددا من الأمراض القاتلة. فالدراسات الحديثة أثبتت أن الخمول البدني الناتج عن عدم ممارسة الأنشطة البدنية، خصوصا بالمجتمعات ذات الطقوس غير المشجعة لممارستها في الهواء الطلق، تزيد من خطر الإصابة بما يسمى بأمراض العصر المتمثلة بأمراض السرطان، القلب، السكري، ضغط الدم، ارتفاع الكولسترول الضار، السكتة الدماغية، السمنة، هشاشة العظام، واضطرابات النوم، وغيرها من الأمراض التي قد تفتك بحياة العاملين والموظفين لدى جميع القطاعات في حال لم يمارسوا أنشطة بدنية معززة للصحة بشكل منتظم.

وحيث إن الطقس في أغلب مناطق المملكة قد يحد من ممارسة الأنشطة البدنية بالهواء الطلق، خصوصا في فصل الصيف، فقد يتعين على كل من وزارة الصحة ومجلس الضمان الصحي وغيرهم من القطاعات ذات العلاقة بإيجاد حلول بديلة للحفاظ على صحة المواطنين وتشجيعهم على الحركة.

ومن هذه الحلول إلزام شركات التأمين الطبية بإدراج طرق ووسائل مبتكرة لوقاية منسوبي عملائها من القطاعين العام والخاص من أمراض العصر التي أنهكت ليس فقط محفظة شركات التأمين بل الدولة والمواطنين على حد سواء.

ومن هنا أقترح على الجهات الصحية أن تدرج مراكز اللياقة البدنية «Fitness Centers» أو حتى ما يسمى بالصالات الرياضية «Gymnasiums» في جميع باقات التأمين الطبي بمناطق المملكة، وذلك لتشجيع الموظفين على اختيار مراكز اللياقة البدنية التي تناسبهم، لتكون المملكة سباقة في هذا المجال الذي يجمع بين الصحة والرشاقة والترفيه والتوفير.

ولضمان جدية اشتراك الموظفين في هذه المراكز يمكن للقطاعات العامة والخاصة وضع معدل الأوزان المثالية ضمن التقييمات الوظيفية، لحث الموظفين على الالتحاق بهذه المراكز، فصحة الأفراد في هذا العصر لم تعد تؤثر عليهم فقط بل تؤثر على أسرهم وكيانات المجتمع بجوانبها الصحية والاجتماعية وحتى الاقتصادية كافة.

فعلى سبيل المثال لا الحصر: عدم تقيد أغلب أفراد المجتمع الهندي بالتدابير الوقائية والإجراءات الاحترازية للحد من الإصابة بفيروس كوفيد 19 لم يضر أفراد هذا المجتمع فقط بل أسقط النظام الصحي بأكمله في تلك الدولة، وتوفي عدد من الناس، وتسبب في تضجر المجتمع من نظامهم الصحي، وخسرت الهند مليارات الدولارات لإعادة الوضع الصحي لما كان عليه، فكل ذلك يمكن تفاديه لو ركزت الهند على وسائل الوقاية من هذا المرض وليس فقط العلاج، والعكس صحيح في المملكة التي أبهرت العالم في سيطرتها على هذا الوباء بفضل إجراءات الوقاية التي طبقتها منذ اكتشاف هذا الفيروس، والتي نأمل أن تستمر الجهات المعنية بهذا النهج في إيجاد حلول وقائية لمحاربة أمراض العصر الناتجة عن الخمول البدني، التي يعلو خطرها هذا الفيروس بمراحل كبيرة.

إن فكرة إدراج مراكز اللياقة البدنية ضمن باقات التأمين الطبي ما تزال جديدة وجريئة رغم محاولة بعض الشركات العالمية تطبيقها على استحياء، كشركات الطيران والفنادق والمراكز الصحية المختلفة.

فالوقاية دائما تعتبر خيرا من العلاج، ومراكز اللياقة البدنية بالمملكة يمكن أن تسهم بشكل كبير حتى في تحقيق رؤية المملكة 2030 التي تنص على أهمية تمتع المجتمع بحياة صحية عالية الجودة، وهذه المراكز قد تكون إحدى الوسائل الرئيسية لتحقيق هذا الهدف.

كما أن دراسات عدة أثبتت أن ممارسة الأنشطة البدنية سواء بالهواء الطلق أو بالأماكن المغلقة، مثل مراكز اللياقة البدنية، تساعد الأفراد ليس فقط على الوقاية من الأمراض الخطيرة السابق ذكرها في هذا المقال، وإنما أيضا في تحسن المزاج، النوم، الإدراك، التركيز، تغذية الذاكرة، وتقليل التوتر والقلق الناتج عن ضغوط الحياة التي يعتبر العمل اليومي أحد أهم محاورها.

كما أن ممارسة الأنشطة البدنية في مراكز اللياقة البدنية يمكن أيضا أن يعزز العلاقات الاجتماعية وخلق صداقات وتعاون بين الموظفين المؤمن عليهم وأفراد آخرين داخل هذه المراكز التي تعج عادة بالحيوية والنشاط.

فالدراسات والتجارب التطبيقية الحديثة أيضا دلت على أن ممارسة الأنشطة البدنية الهوائية، كالمشي والجري وركوب الدراجة لمدة 20 إلى 30 دقيقة أثناء فترات العمل أو بين فترتي العمل الصباحية والمسائية، تعيد تأهيل الموظفين نفسيا وبدنيا واجتماعيا، مما يؤدي ذلك إلى رفع إنتاجية وجودة القطاع بشكل أسرع.

وفي الختام، أعتقد أن إدراج مراكز اللياقة البدنية ضمن قوائم شركات التأمين الطبية، وإضافة الجسم المثالي في بند المظهر العام بالتقييمات الوظيفية «مع استبعاد ذوي الحالات الخاصة التي تحدد من قبل الأطباء»، سوف ترفع جودة الحياة لدى المواطنين وعوائلهم، وتشجعهم على ممارسة الأنشطة البدنية المعززة للصحة بانتظام، وتفتح لهم آفاقا وأفكارا إيجابية حول المحافظة على الغذاء الصحي، وتبعدهم أيضا عن العادات السيئة التي تضر بصحتهم، وتساعد المجتمع ليصبح صحيا وحيويا وخاليا من الأمراض، كما سوف يوفر بالنتيجة على الدولة مئات الملايين من الريالات التي تهدر على علاج أمراض مستعصية نستطيع أن نتجنبها بمجرد ممارسة مشي لمدة 30 دقيقة لثلاثة أيام بالأسبوع! فالسعوديون محبون للصحة والرشاقة وممارسة الأنشطة البدنية والرياضية المختلفة، إلا أن الأجواء الحارة قد تحد البعض من ممارستها في الهواء الطلق، ناهيك عن أسعار اشتراكات مراكز اللياقة البدنية والمراكز الرياضية باهظة الثمن، ولهذا تبقى شركات التأمين الطبية هي الحل الوطني الأمثل لتشجيع المجتمع على ممارسة أنشطتهم البدنية المفضلة داخل هذه المراكز، ليحافظ السعوديون والسعوديات على صحتهم ونشاطهم وجمالهم وأناقتهم.

Dr_Talsalhi@