سعود الشهري

«الأطباء ماشين بالعكس»

الخميس - 25 مارس 2021

Thu - 25 Mar 2021

أنا أحد الأطباء الذين يعالجون المرضى إلا أني لن أسير بالعكس، باختصار: يأتي مريض يعاني من ارتفاع الضغط -مثلا- فنعطيه «حبوب» تنزل الضغط لمدة ساعة أو 8 أو 12 ساعة، أو حتى 24 ساعة، طيب وبعدين؟! غدا هو على موعد ربما مع حبة أخرى أو حبتين أو عشر حبات.. طيب إلى متى؟! أقصد إلى متى ونحن نعالج «أعراض» وليس أسباب؟!

لماذا لا يمنع ارتفاع الضغط من أصله؟! أوليس درهم وقاية خير من قنطار علاج، يعني نرد الصوت قبل يفوت الفوت.

من سنن الكون أن لكل سبب مسببا، والواقع أن نتيجة هذا المسبب في غالب الأحيان رجعية «يعني يمكن إرجاعها لسيرتها الأولى، يعني يمكن علاجها».

لو نظرنا إلى جسم الإنسان وما يتكون منه وما يؤثر عليه فإن التأثير عليه إما جسدي أو فكري بشكل عام، يعني إما طعام أو ما في حكمه أو تفكير أو ما شابهه من الطاقات، هذان هما المدخلان الوحيدان - ربما- لهذه المنظومة الهائلة المتكاملة المترابطة «جسمك».

إذن - ولنوضح أكثر- فعندما يطرأ على صحتك طارئ، فهذا إما أن يكون بمسبب خارجي والطعام أشهرها أو محيطات بيئية أو أدوات معيشية..إلخ، وإما أن يكون المسبب فكريا أو مما يخالج التفكير ويودع في النفسية فيسمى في علوم الطب بالاضطراب النفسي.

ربما قال قائل: طيب والأمراض اللي من الخلقة؟! يقصد الأمراض الجينية فسأقول له: حتى هذه سببها توريث جينات من أجداد تأثروا بأحد المسببين المذكورين أعلاه.. ولن ندرج في الموضوع ما كان خارج إرادة المرء من حوادث وخلافها، مع أن المرء مسؤول عن كل ما يحدث له «قانون الانعكاس» وفي ذلك مبحث آخر وحديث يطول.

ولو أخذنا أعظم المؤثرات وهو الطعام - وأعني به كل ما يتناوله هذين العاملين في الحسبان فإنا نجدنا - نحن معشر الأطباء- عنهما في سبات عميق «إلا ما شاء الله وقليل ما هم»!

فلو عدنا لصاحبنا هذا الذي انتابه الضغط ذاته مثلا وطبقنا عليه هذين العاملين لوجدنا في حالات كثيرة أنه قد ارتفع ضغطه إما بطعام كثير الملح، أو طعام سبب له سمنة أو طعام «دوائي» أخل بوظيفة هرمونية أو فكر مقلق أو فكر لم يستحثه لعمل التمارين الرياضية أو فكر تشاؤمي جلب له «طاقة» سيئة دفعها حسد أو بغض أو نحوه.

ما أود التوصل إليه - وأظنه أصبح جليا- هو أن الأدوية الطبية الكيميائية «حبوب وشراب وحقن وغيرها» تعمل بعد خط النهاية، فمثلا -ولنعد لمريض الضغط- هي تعمل على التحكم بالضغط لا علاج الضغط والشفاء منه، وأدوية كسل الغدة الدرقية تعمل على دعم الغدة لا على شفائها، وقس على ذلك الكثير.

ليس المقصود من هذا أن يرمي المريض دواءه جانبا، لا، فإن فعل فربما يموت في بعض الأمراض، لكن المقصود هو: لماذا وصلنا إلى هذه الدرجة الصحية المتدنية؟! ببساطة لأننا لم نتعامل بشكل صحيح مع غذائنا وأفكارنا.

ولعل الغذاء هو الأقرب للاستيعاب، فإن مريض الضغط المذكور آنفا لو أنه كان يتناول الخضراوات بشكل يومي مع كل وجبة ويمشي بشكل يومي لمدة لا تقل عن نصف ساعة، ولو أنه لم يفرط في أفكار مؤرقة أو أكلات كثيرة الملح ونحو ذلك لما وصل إلى مرحلة «كيس الأدوية».

سيقول قارئ «طيب وش ذنبه ياخي مايعرف كل ذالكلام؟!»، سأقول: صدقت، وهنا يكون دور وزارة الصحة في تفعيل عيادات تختص بالتغذية العلاجية أو تعزيز الصحة أو سمها ما شئت المهم تشتغل على «أول الخط» الصحي، بل وأذهب لأبعد من ذلك، ففي ألمانيا تتدخل الجهات المختصة حتى في صنع الخبز لئلا تحتوي «الخبزة» على كميات عالية من «الجلوتين» الذي سيسبب للمستهلك السكري وأمراضا هضمية وحتى الاكتئاب والإدمان «بيبتيدات الاوبيويد والدوبامين!»

بل ورأينا الجهات المختصة في بلدان كثيرة تمنع استخدام أكياس النايلون

«القاتلة» والحديث عنها ذو شجون هو الآخر.. ولعلي قبل الختام أوضح بمثال آخر؛ فلو أتى مريض سمنة لعيادة تغذية علاجية في مركز صحي لأرشده الطبيب إلى برنامج «الصيام المتقطع»، وبذلك ستذهب السمنة وبالتالي لن يصبح مريض ضغط وسكر ودهون، وبذلك ستحفظ له صحته وينجز في بلده ولن يكلف الدولة أدوية ضغط وسكر ودهون وربما عمليات مياه بيضاء وجلوكوما وتكميم «أو سمه تدمير» وربما زراعة كلى وحدث ولا حرج.

ختاما، إن تفعيل التوعية الصحية الغذائية في مراكز الرعاية الصحية الأولية هو طوق النجاة في أول الطريق، وإن الأدوية التي بين أيدينا هي خط النهاية وتحصيل حاصل، وفي تفعيل هذا الدور حفظ لصحة الناس وتوفير واضح للأموال التي تصرف على علاج الناس.. ودمتم بصحة.

saud_alshehry_@