سالم غندورة

هل تساءلت يوما: لماذا يتمسك المسؤول بالكرسي؟

الخميس - 11 فبراير 2021

Thu - 11 Feb 2021

عاصرنا الفترة الماضية سيناريو الانتخابات الأمريكية ورفض الرئيس السابق ترمب لتسليم السلطة ورفضه نتائج الانتخابات ومحاولاته البائسة للبحث عن سبب ليبقيه على كرسي السلطة.. لك أن تتخيل بأن هذا السيناريو حدث في أعظم دولة تدعو إلى الديمقراطية.

هل تساءلت يوما لماذا يتمسك المسؤول بالكرسي ويصعب عليه تركه؟ هل هو كبرياء؟ حب تملك وإشباع للذات؟ حب للسلطة وما يتبعها من امتيازات؟ أم لأنه لا تزال لديه أهداف لم يحققها بعد؟ أو يريد أن يجني ثمار ما زرعه فترة توليه المنصب؟

بشكل عام هناك قواعد تحكم سلوكيات البشر. وقد يعود تصرف المسؤول بحسب مفهومه لذاته. مفهوم الذات لدى الشخص - كما عرفه لنا (بومسيتير) عام 1999 - يدور حول معتقدات الفرد وكيفية تقييمه وإدراكه بذاته بشكل جيد والتي تتضمن صفته الجسمية والنفسية والاجتماعية.

كيف يتكون مفهوم الذات لدى الفرد؟

بحسب تعريف علماء النفس فقد يعود السبب لإحساس الفرد بأنه كائن منفصل ومتميز عن الآخرين، ويعرف هذا السلوك بالذات الوجودية (Existential self)، أو شعوره بالانتماء إلى فئة معينة على حسب صفات تجمعهم مثل العمر والجنس أو الاهتمامات ويعرف هذا السلوك بالذات الفئوية (Categorical self)، فيلجأ الفرد إلى تقييم نفسه في ظل هذه الصفات مقارنة بالآخرين، بدلا من تقييم نفسه في ظل الكيفية التي يراه الناس بها. وهنا تكمن أهمية مفهوم الفرد لذاته حيث إنه يشكل جزءا كبيرا في كيفية تعامله مع الآخرين.

يقترح عالم النفس كارل روجرز أن مفهوم الذات له ثلاثة مكونات: وجهة نظر الشخص حول ذاته، القيمة التي يضعها الشخص لنفسه وثالثا الشخصية المثالية التي يتمنى أن يكون عليها. ولنجيب عن عنوان المقال في سبب تمسك المسؤول بالمنصب، فغالبا ما يكون بسبب التفاوت وعدم التوافق بين رؤيتهم لنفسهم (صورتهم الذاتية) والصورة المثالية التي يرغبون بأن يكونوا عليها.

وهذا التفاوت يسبب اضطرابا أطلق عليه روجرز بالتناقض أو عدم التطابق، الذي يؤدي إلى حالة من القلق والإحباط والتوتر.

طبيعة النفس البشرية تميل إلى حب الجاه والتحكم.. فحين يملك الشخص منصبا ما فإنه يشبع هذه الغريزة فيه وسرعان ما يمتلكه شعور بأنه الأجدر من الآخرين. وحين يقترب من مغادرة هذا العرش، خاصة أنه سيعود لما كان عليه فرد عادي في المجتمع لا يملك أي سلطة، هنا ينتعش عنصر الكبرياء البشري ويختلط بالخوف من النعت بالفشل لأنه لم يرشح مرة أخرى.

يبدأ بالتقرب من التابعين له محاولة لفهمهم وفهم ما يدور ببالهم ومحاولة متأخرة منه لإقناعهم بطريقة غير مباشرة بأنه الأجدر، وأنه عمل المستحيل لإرضاءهم وخدمتهم. قد يكون هذا صحيحا وهم فعلا عملوا - وفق قدراتهم وطاقتهم الاستيعابية - لكن تبقى الكلمة الأخيرة للناس، فهم مرآة لشخصيتنا الإدارية في العمل.

مسؤول كهذا هو في حقيقة الأمر شخص مسكين أشفق عليه. فهو ضحية نفسه الأمارة بالسوء التي غرت به وأقنعته بأنه فعلا الأجدر بهذا المنصب. وأيضا ضحية من ساهم من المتملقين من حوله في تعزيز أوهامه وقناعاته المغلوطة، وضحية قلة خبرة وإدارة عليا مترهلة لا تملك بعد نظر، وضعته في موقف محرج وعززت لديه سلوكه المعوج، ويظن حينها بأن استبعاده من المنصب هو مكيدة من الآخرين للإيقاع به لأنه شخص ناجح، فقط لمجرد استمراره في المنصب من دون أن يقف شخص جريء في وجهه ليخبره بحقيقة نفسه.

ومضة: تحتاج القليل من الحكمة وكثيرا من الشجاعة حتى تعرف متى تستقيل من منصبك وتترك الفرصة للآخرين.