دلال عمر العباسي

التعليم عن بعد.. تساؤلات في أذهاننا

الاحد - 03 يناير 2021

Sun - 03 Jan 2021

بعد انقضاء الفصل الدراسي الأول لعام 2020، الذي قدم عن بعد لجميع المراحل الدراسية، ابتداء من رياض الأطفال إلى التعليم العالي، تأتي تساؤلات مختلفة لشركاء العملية التعليمية، سواء كانوا صانعي قرار أو مشرفين تعليميين أو قائدي مدارس أو مدربين ومستشارين تعليميين وطلابا وأولياء أمور: هل التعليم عن بعد هو حل مؤقت أم إنه أتى ليبقى؟ هل ما نتعلمه من أدوات تقنية وأساليب تدريس هي فقط لهذه الأزمة، وحل يعد طارئا نصيبه أدراج النسيان بمجرد زوال المسبب؟

هل الوقت الذي أستثمره والجهد الذي أبذله في التدريب والتنمية الذاتية في مجال تقنيات التعليم سيعود علي بالنفع بعد عودة الحياة لطبيعتها؟ أم إنه يعد حلا «ينقذني» أنا وطلابي في الوضع الراهن، وما إن نصل إلى بر الأمان فسأنتزع سترة النجاة راكضة إلى فصلي وسبورتي ومدرستي، متناسية كل ما يمس بالمنصة

التعليمية وتقنية التعليم بصلة؟ هل أمضي في التعلم بهذا الاتجاه وأجعل من الأزمة فرصة استثمار للتطوير الذاتي وأبحر بين استراتيجيات التعليم الالكتروني وطرقه وأنا لست متيقنة من أنني سأقوم باستخدامها بعد شهر من الآن أو ستة أشهر أو سنة؟

أود أن أطمئن القارئ بأنه إن كانت هذه التساؤلات تأتي إليك فذلك لا يعني أنك ضد التطور، بل أنت طبيعي جدا، مثلك مثل عديد من التربويين حول العالم. فالتعليم الالكتروني، خاصة في مستوى التعليم العام، جاء متزامنا مع أزمة عالمية، فكان الهدف استمرارية العملية التعليمية، الذي يعد هدفا اضطراريا وليس تطويريا، لذلك من الطبيعي أن يجول في خاطرنا مثل هذه التساؤلات.

في هذا المقال سأحاول الإجابة عن بعض من هذه الأسئلة، دعونا نفكر سويا، ونأخذها خطوة بخطوة.

أولا، للإجابة عن سؤال: هل التعليم عن بعد هو حل مؤقت أم إنه أتى ليبقى؟ أريد أن أوضح أن استخدام التقنية في التعليم أو ما يسمى بالتعليم الالكتروني له عدة مستويات. فالمستوى الأول هو لدعم العملية التعليمية في التعليم الحضوري في مدارسنا وجامعاتنا ونسميه «التقنية المعززة للتعليم»، بحيث تستخدم التقنية لفتح آفاق جديدة لطلابنا ونمكنهم من خلالها من التسلح بمهارات ومعار، وجعل التجربة التعلمية غنية، وهي أيضا تسهل علينا أداء واجباتنا. ففي هذا المستوى قدمت مشاريع ضخمة في وزارة التعليم مثل التحول الرقمي والمعلم الرقمي وبوابة المستقبل وغيرها، فكان الهدف منها تطوير العملية التعليمية باستخدام التقنيات الحديثة.

أما المستوى الثاني للتعليم الالكتروني فهو تقديم تعليم مدمج، وهو أن تقسم العملية التعليمية ما بين الحضور للمدرسة أو الجامعة وبين المنصة التعليمية عن بعد، وهذه الطريقة مستخدمة في العديد من الجامعات حول العالم، ويوجد عديد من المشاورات عن أن هذه الطريقة قد تكون مناسبة عند الرجوع التدريجي إلى مدارسنا. أما المستوى الثالث في التعليم الالكتروني فهو أن نستخدم التقنية لتقديم تعليم الكتروني كامل عن بعد، بحيث نستخدم المنصات التعليمية والفصول الافتراضية بشكل أساسي لتدريس وتعليم طلابنا، وهو ما لجأت إليه العديد من الدول حول العالم للتعامل مع وباء كورونا.

لكل مستوى من هذه المستويات أدبيات ومؤتمرات عالمية تقام سنويا لمناقشة تطورات المجال، ومعايير عالمية وضعت لبرامج التعليم عن بعد والتعليم المدمج ودمج التقنية مع التعليم، منها معايير الجمعية الدولية للتقنيات التعليم التي وضعت معايير خاصة بالطالب والمعلم والقائد والمدرب لوصف المهارات والمعارف التي يحتاجها الطلاب لنجاحهم، ومنظمة QM العالمية المتخصصة بوضع معايير الجودة للمقررات الالكترونية، إضافة إلى عدد من المنظمات والشركات والجامعات، فدمج التقنية بالتعليم بمستوياته المختلفة ليس وليد جائحة كورونا، بل إنه مجال واسع وراسخ منذ سنين، فهو ليس لإدارة أزمات فحسب أو لأن التقنية متوفرة، بل لأن التقنية تستطيع أن تساعدنا وتفتح لنا طرقا ووسائل عديدة لتطوير التعليم والوصول للأهداف المعرفية والمهارية والوجدانية التي نريد أن نصل إليها مع طلابنا.

التحول الرقمي في التعليم ضرورة، وجائحة كورونا جاءت لتثبت لنا ضرورة هذا التحول الرقمي في جميع متطلبات حياتنا، وفي العلمية التعليمية خاصة، ولو بدأنا التفكير سويا في السؤال الأهم: هل التعليم عن بعد أتى ليبقى؟ فستكون الإجابة أن التعليم الالكتروني موجود منذ زمن ليس بالقريب، ولكن لم نكن نتخيل أهميته وضرورته في تطوير ممارساتنا في هذا المجال.

نعم، التعليم عن بعد ليس الخيار المثالي لطلاب المدارس، وهذا ما لمسناه من هذه التجربة، ولكن أيضا لمسنا أهمية وفائدة عديد من الممارسات التي طبقناها في هذا الفصل الدراسي في التعليم عن بعد، التي نحتاج تطبيقها وتطويرها حتى إن رجعنا إلى مدارسنا، فالمهارات والاستراتيجيات التي نتعلمها في مستوى نستطيع تحويرها واستخدامها لمستويات أخرى.

أما للإجابة عن السؤال: هل أستثمر في تطوير نفسي في استراتيجيات التعليم الالكتروني وطرقه؟ فالإجابة لتتمكن التقنية من أن تساند وتحول وتختصر وتطور الممارسات تحتاج إلى الشخص الذي يفعل هذه الأمور، وهنا يأتي دور المعلم وأهمية تطويره المهني، فالتقنية لا تقوم بهذه الأمور بمفردها، بل تحتاج الإبداع الإنساني الذي يستطيع استخدامها لتحقيق الأهداف والمصالح المشتركة.

لتستطيع التقنية القيام بما يوعد به من في المجال ومواكبة الرؤية نحتاج لتغيير الفكر حول عملية التعليم والتعلم، كما قال بكمنستر فولر «إذا كنت تريد تعليم الناس طريقة جديدة في التفكير، فلا تهتم بمحاولة تدريسهم، بدلا من ذلك، امنحهم أداة سيؤدي استخدامها إلى طرق جديدة في التفكير».

أولا يجب معرفة ما هي الطريقة الجديدة في التفكير التي نريد الوصول إليها قبل اختيار الأداة، فمثلا إذا كانت الطريقة هي التلقين فالتقنية وهي الأداة ستساعد في الوصول إلى التلقين، وإذا كانت طريقة التفكير هي جعل الطالب أكثر مسؤولية وتنمية مهارات التواصل الخاصة به فالتقنية ستساعد في تطبيق العمل الجماعي وتوزيع المهام، فالبرامج التدريبية والتطوير المهني الخاصة بالمعلمين والمعلمات يجب أن تركز على طرق التفكير التي نحتاج أن نتبناها بوصفنا تربويين، لتقديم تجربة تعلمية فريدة ومفيدة لطلابنا، قبل أن نتعلم على الأدوات التقنية المختلفة.

لنجعل الهدف من برامج التطوير المهني هو البيئة التعلمية والخبرة الطلابية ككل، عن طريق تحول حقيقي في دور المعلم ودور الطالب ودور أولياء الأمور والقيادات. وإذا لم تتغير الأدوار والطرق والمهارات، فالتقنية سواء كانت مقدمة لدعم العملية التعليمية أو لتقديم تعلم مدمج أو تعلم الكتروني لن تطور أو تدعم، بل بالعكس.

الآن في هذه المرحلة، أدعو جميع من هم في السلك التعليمي إلى أن يروا هذه الفترة فرصةً للتعلم. نحن نحتاج إلى فكر مختلف، نظرة مختلفة للعملية التعليمية، فالمهارات والمعرفة التي يكتسبها المعلمون والمعلمات وطلابنا من مهارات تقنية واستراتيجيات تعليمية عن بعد وطرق للتواصل والتفاعل مع الأهل ومع الطلاب؛ جميعها نستطيع استخدامها لاحقا بعد الرجوع إلى مدارسنا إن شاء الله بصورة تجعل منها معززا ومحققا.

ما يجب التركيز عليه الآن هو أن نجرب ونتعلم ونقرأ في كيفية خلق تجارب تعلمية مختلفة لطلابنا. ومن هنا أدعو جميع القائمين على التطوير المهني التربوي إلى أن يركزوا على ما هي طرق التفكير التي نريد أن نتبناها، وكيف تستطيع التقنية مساعدتنا لتطبيقها، أدعو المعلمين والمعلمات وأعضاء هيئة التدريس إلى كتابة تأملاتهم عن تجاربهم الناجحة، وما استفادوا منه أثناء الجائحة ونستطيع استخدامه بعد انتهائها بإذن الله، وذلك للاستفادة من هذه التجربة المتميزة لتقديم تجربة غنية لطلابنا الآن ولاحقا. فإجابة السؤال: هل أستثمر في تطوير مهاراتي في التعليم عن بعد؟ هو: طبعا استثمر.

@dalalabbasi