مرزوق تنباك

تجربة دمج التعليم العالي والعام

الثلاثاء - 24 سبتمبر 2019

Tue - 24 Sep 2019

مضى أربع سنوات أو تزيد على تجربة دمج التعليم العام والعالي في وزارة واحدة، وهو دمج لا أقول إنه غير مناسب لكن يمكن وصفه بالتجربة أو المحاولة الأولى التي تجمع التعليم بكلا جناحيه تحت مظلة واحدة ووزارة مسؤولة عنهما، على الرغم من أنها لم يكن لها سابقة معروفة ولا معهودة أن تنظم وزارة مستقلة منذ خمسين سنة إلى وزارة أخرى مختلفة المهمات والوظائف والتخصصات، هاتان الوزارتان مختلفتا التخصص وإن جمعهما خيط رفيع هو التعليم، مع اختلاف كبير بين مهمة كل واحدة منهما، فللتعليم العالي مسؤوليات وتخصصات وحاجات ومهمات مختلفة تمام الاختلاف عن التعليم العام في كل شيء، في الأغراض التعليمية وفي النوعية والخطط والبرامج، وغيرها من الوظائف التي تناط في كل قسم من أقسام التعليم العالي وتلك التي تطلب من التعليم العام.

فالتعليم العام أساس يجب على كل إنسان في الدولة أن ينال حظه منه في سن مبكرة، حيث أصبح لدى الشعوب والأمم ما يشبه الإجماع على ضرورته لكل فرد في المجتمع، وإلزامه بأن ينضم إليه وإلزام الدولة مهما كانت قدراتها وإمكاناتها بتوفير مراحل التعليم الأولى لكل الناس، بل واجبها أن تجبرهم على ذلك وتلزم الوالدين ومن في حكمهما على تعليم أطفالهم مهما كانت الظروف والأحوال التي يكونون عليها، ولهذا التعليم سن يبتدئ الالتزام بها وسن ينتهي إليها، وهذا ما يعرف بالتعليم الإجباري المتبع في كل الدول اليوم الذي لا يتسامح فيه أحد، وتكون الدولة هي المسؤولة عن تحقيقه لكل طفل في سن التعليم الإلزامي.

أما التعليم العالي أو الجامعي والتعليم الفني فلا يلزم به أحد، ولكنه يأتي نتيجة طبيعية للمرحلة الأولى من التعليم الإلزامي، حيث تقود هذه المرحلة إلى اكتشاف قدرات النابهين من خريجي التعليم العام وطموحهم وأهليتهم لاكتساب أعلى للعلوم التي تمكنهم من الإبداع والتخصص العالي والاختراع في كثير من المعارف التي تحتاج إلى دراسات عليا ومعارف عميقة وبحوث ونظريات معرفية لا يتوفر مثلها في التعليم العام، ويقضي طلاب هذه العلوم السنوات الطوال في حقول التجارب والنظريات المعرفية العميقة في شؤون الحياة كلها، هذا الحال يجعل مهمات التعليم العالي ووظائفه مختلفة عن مهمات التعليم العام.

إذن نعود للموضوع، وهو هل تجربة أربع سنوات من دمج التعليمين في وزارة واحدة يمكن أن تكون كافية لتقويم التجربة والحكم عليها بالنجاح أو بغيره من قبل المتخصصين والممارسين للعملية التعليمية من كلا الطرفين؟ أعتقد أن السنوات التي مرت كافية لتقويم التجربة ومعرفة ما فيها من إيجابيات وما فيها من سلبيات إن وجدت.

ولأنني لا أملك المعلومة الصحيحة ولا أظن أحدا قد قام بدراسة وتقويم مستقل للتجربة إلا أن الانطباع العام لدى الناس أن ما حدث هو في أحسن أحواله تكثيف للبيروقراطية وتعقيداتها يمس سلاسة العمل التعليمي، خصوصا في التعليم العالي الذي لا يتنفس طبيعيا ويؤتي ثماره حتى يتخلص من قيود البيروقراطية ومتطلباتها ويستنشق هواء الحرية وانطلاق الحركة الطبيعية، ولهذا كانت الجامعات ومؤسسات التعليم العالي تعطى استقلالية القرار، حتى تلك التي تخضع في تمويلها كاملا للدولة كانت تعطى حرية في هذا الجانب، ولا تخضع بعضها لوزارة التعليم العالي وإن خضعت ففي جانب التنظيم العام والتنسيق وليس التبعية البيروقراطية، وأظن جامعة الملك سعود عند إنشائها كانت مستقلة ولا تربطها بالتعليم العام أي رابطة.

الخلاصة أن الجامعات في العالم كله مؤسسات مستقلة بكيانها المالي والإداري وقراراتها، وما غير ذلك يفقدها وظيفتها ويكبل انطلاقها وحريتها. فهل نعيد النظر وندرس النتائج لسنوات الدمج الماضية؟ ونرى ما الذي حدث ونقومه ونعيد النظر في الدمج إن كانت النتائج في غير صالحه ونعطي الجامعات حرية واستقلالا يمكنانها من أداء رسالتها؟ هذا الذي يجب القيام به والتجربة أكبر برهان.