في الميزانية تقدمت الدولة وما تأخر المواطن
الأحد - 07 ديسمبر 2025
Sun - 07 Dec 2025
جاءت الميزانية العامة للدولة الثلاثاء الماضي كعادتها، لحظة وطنية منتظرة، تتجاوز حدود الأرقام والجداول، وتكشف عن الاتجاه الذي تمضي فيه بلادنا المباركة بثبات واتزان.
في ميزانية هذا العام بدا واضحا أن شؤونها لم تعد تقرأ من خلال حجم الإنفاق أو حجم العجز، بل من خلال ثبات الرؤية واتساق المسار، ومن خلال انتقال الدولة من مرحلة «تأسيس الهياكل»، و«مرحلة التنفيذ»، إلى مرحلة «تعظيم الأثر»، و«ما بعد 2030»؛ وقد جاء تصريح سيدي ولي العهد الأمين «سنواصل المسير بثبات نحو تحقيق أهدافنا، مستعينين بالله ومتوكلين عليه»، ليضع الميزانية في سياقها الحقيقي؛ فالرؤية ليست اندفاعا عابرا، بل بناء تراكمي يتقدم بخطوات محسوبة ومدروسة، ويدار بثبات يواجه المتغيرات ويستثمر الفرص، ويجعل من كل عام لبنة جديدة في صرح وطني يتعاظم حضوره.
في ميزانية الخير والنماء، ظهر بوضوح أن المملكة العربية السعودية دخلت مرحلة مختلفة - مرحلة تعظيم الأثر - تنتقل فيها الدولة من بناء الهياكل إلى ملاحظة نتائجها، ومن التأسيس إلى التمكين، ومن المبادرة إلى قياس أثر المبادرة؛ وهو ما يجعل التحولات في الصناعة والطاقة والتقنية واللوجستيات والسياحة والاقتصاد المعرفي ليست توسعا قطاعيا فحسب، بل إعادة تشكيل للاقتصاد على قواعد جديدة أكثر تنوعا وصلابة؛ وفي قلب هذا كله يأتي المواطن لا بوصفه متلقيا للميزانية، بل بوصفه محورا لها؛ فالإنفاق على الصحة والتعليم والخدمات الاجتماعية وجودة الحياة ليس مجرد بند مالي، بل استثمار طويل المدى في الإنسان بوصفه أساس نهضة المكان، وهكذا تصبح الميزانية، عند «المواطن الصادق المخلص» وثيقة تربط بين الاقتصاد والمجتمع، وبين المشاريع الكبرى وحياته، وبين الرؤية الوطنية وتطلعاته، وفي ظل هذا المسار الإنساني الواضح، تمضي الدولة في الحفاظ على استدامتها المالية، في توازن دقيق بين الطموح والانضباط، وبين إطلاق المشاريع الكبرى وضبط الدين العام، وبين مواجهة الظروف العالمية والتمسك بثبات الرؤية.
المملكة، وبفضل الله تعالى، أثبتت قدرتها على إدارة مختلف التوازنات بطريقة عكست نضج القرار الاقتصادي، ورسوخ البنية المؤسسية، واستيعاب المتغيرات دون إبطاء لمسار التحولات، ويعزز هذا كله الدور المحوري الذي يؤديه «صندوق الاستثمارات العامة»، و»صندوق التنمية الوطني»، والصناديق التنموية التابعة له، بوصفها محركات رئيسية في إعادة تشكيل الاقتصاد، وتوسيع قاعدته الإنتاجية، وفتح آفاق جديدة للنمو والتنافسية؛ وهو ما يجعل ميزانية الدولة وثيقة تعكس تحولا حقيقيا في الاقتصاد السعودي، وتحمل نَفَس المستقبل في كل صفحة من صفحاتها.
أختم بأن الميزانية، وإن بدت في ظاهرها وثيقة مالية للدولة، إلا أنها في حقيقتها رسالة موجهة للمواطن؛ تذكره بمكانه في المعادلة، وبأن الدور لا يكتمل من دونه، ولا سيما أن التنمية، في منطق العقل والنقل، شراكة بين «تدبير الدولة» و»سعي الإنسان»، وبين رؤية القيادة وعمل المجتمع، وهو ما يشرح معنى الاستخلاف الذي يقوم على العمل والعمران، لا على الانتظار أو الحياد؛ وكل هذا حملته التصريحات المصاحبة للميزانية، والتي تؤكد في «روحها ومضمونها» أن على كل صاحب رأي وخبرة أن يكون حاضرا في مسيرة الوطن، وأن يقترب من مواقع التأثير، وأن يجعل من علمه وتجربته قيمة مضافة في زمن تتسع فيه الحاجة إلى العقول الرصينة؛ فالمرحلة المقبلة ليست مرحلة غياب أو تغييب، بل مرحلة تمكين الذين يعرفون قدر الوطن، والمساندين له بفكرهم الذي يجمع ولا يفرق، ويوحد ولا يشتت، والدولة، حفظ الله قيادتها، بعزمها وحزمها، لا شك أنها ستفتح أبوابها لمن «يتشرف» بخدمة ترابها الطاهر؛ بل هي كذلك.