محمد الأحمدي

كوفيد-19 والنظام الرأسمالي

الثلاثاء - 03 نوفمبر 2020

Tue - 03 Nov 2020

سأضعك في تصور بسيط لمفهوم الرأسمالية قبل الخوض في غمار المقال، الرأسمالية نظام اقتصادي تتملك فيه فئة من الناس الملكية، ويتحكمون فيها بما يتماشى مع مصالحهم من خلال حرية العرض والطلب في الأسواق، لتنعكس على خدمة المجتمع المفضل لأصحاب المصلحة، فالتنافس الحر بين المؤسسات في السوق الذي يعتمد على كسب الجمهور، وكمية التفاعل بين الأطراف في العرض والطلب يحددان القيمة السوقية. ويأتي الدور الحكومي في ظل الرأسمالية إذا لم تمتلك الأصول، فإنها تلعب دور بناء التشريعات والأنظمة والقوانين التي تحمي حقوق المواطنين، وتهيئة البيئة المناسبة لضمان استمرارية العمل الاقتصادي فيما يسمى باقتصاديات عدم التدخل.

إذن، ببساطة متناهية الركائز الرئيسة للرأسمالية هي: الملكية الخاصة والمصلحة الذاتية اللتان تقودان إلى تحقيق الأرباح، وتحقيق هذه المصلحة يقوم على التوافق بين الأطراف المختلفة، ومعالجة مقاصد الأطراف الأخرى فيما يعرف بالمقاصد الذاتية العقلانية التي تؤدي في النهاية إلى نمو الحركة الاقتصادية القائمة على المنفعة المالية.

وفي ضوء هذا التمهيد فإن الاقتصاد الرأسمالي يعتمد على تملك الأصول كالأراضي والعقارات والشركات، أو الأسهم والسندات كأصول غير ملموسة، ويجري شراء ساعات العاملين في تلك الأصول بمبالغ نقدية، ثم تعود الأرباح إلى ملاك الأصول الرئيسة.

لقد عصف بالاقتصاد العالمي أزمات مالية عديدة آخرها عام 2008، ولكن لم تتعامل بهذا الأسلوب الإجرائي مع الإنسان الذي يشكل مستهدف الرأسمالية. بول مانسون يشبه انهيار الائتمان العقاري في 2008 بانهيار سقف المبنى الذي يمثل النظام المالي على الهيكل الإنشائي (القوة البشرية)، ولكن لم تصب الهياكل بأذى، مما دعا إلى إعادة بنائه مرة أخرى بالتمويل والاقتراض ودفع الناس للعمل.

أما واقع الانهيار مع جائحة كورونا فإنه استهدف الجذور الأساسية للمبنى (القوة البشرية)، بعزلهم عن الحركة الاقتصادية، وإيقاف مرتباتهم، واستنفاد مدخراتهم المالية للحياة المعيشية، فكل معطيات الأزمة منذ نشأتها تتجه لعزل الإنسان عن الحياة العملية، وهذا منطلق يناقض مبادئ الرأسمالية الاقتصادية التي تدعو إلى دفع مشاركة الناس في الحركة التجارية.

هذا العزل يثقل الحكومات الرأسمالية على المدى القصير قبل الطويل، فهي ليست قادرة على تحمل أجور العاملين، وكذلك البنوك غير قادرة على إقراض الحكومات لتفي بتلك المتطلبات، والشركات الرأسمالية الضخمة ذات ملكية خاصة، وربما تفقد روح المبادرة والتنافس لتحتفظ بالمكتسبات، وهذه القواعد تشير إلى ضرورة التفكير في معالجة جديدة للنظام الاقتصادي.

ويعتقد أستاذ التاريخ في الرأسمالية البروفيسور زيرتكسي 2020 أن إهمال الرأسمالية للقدرات، والقيم الصحية المتعلقة بالأوبئة، واعتمادها على الاقتصاد الترفيهي القائم على العرض والطلب أدت لتباين الأنظمة الرأسمالية في إدارة الأزمة، ويتفق معه كبير الخبراء الاقتصاديين مدير البحوث في صندوق النقد الدولي راجان وزينغاليس، حينما دعا لإنقاذ الرأسمالية من الرأسماليين أنفسهم، فرؤوس الأموال الضخمة تتمحور في أرصدة محدودة عالميا من خلال أنشطة محدودة هادفة للربح العاجل.

وهذا من وجهة نظره يؤدي إلى خلل في توازن الاقتصادي والمنافسة والتطور التقني في مجالات الحياة، ويدعم هذا الرأي خفض ميزانية الصحة العامة البريطانية NHS في 2015 بمقدار مليار جنيه إسترليني، وتقليل سبل الاستثمار البعيد فيما يتعلق بالصحة من مرافق وأجهزة وابتكارات، مما زاد العبء على المنظومة الصحية، سواء بفقد الكفاءات المؤهلة أو بزيادة الأعباء التدريبية على الطواقم العاملة منذ ذلك الحين.

ويتضح أن الاستثمار الذكي للتقنية في الدول الأقل تأثرا بجائحة كوفيد-19 الذي اعتمدت على الذكاء الاصطناعي والأتمتة والروبوتات في خطوط الإنتاج ساعد في تخفيف وطأة الأزمة. ففي إحصائية لعام 2017 تربعت الصين وكوريا الجنوبية واليابان على قمم الدول الصناعية المستخدمة للروبوتات الصناعية بنسبة تصل إلى 50% من مخزون الروبوتات في العالم، وتأتي ألمانيا من الدول الأوروبية بتوظيف أكثر من 200,000 روبوت، وقد شهد اقتصادها نموا في ظل الجائحة رغم الحظر الذي طاف دول العالم.

نعم كان استخدام الروبوتات الصناعية في مصانع السيارات التي احتلت نسبة 42% من القوة العاملة، التي تعد من أكثر المجالات تضررا من الجائحة، فقد انخفضت مبيعاتها بنحو 100 مليار دولار وفق لتقرير ماكينزي 2020.

الخلاصة، سترتب الجائحة أولويات استخدام الذكاء الاصطناعي، من سبل الترفيه إلى الضروريات، كالجوانب الغذائية وسلاسل الإمداد والتصنيع الذاتي والمجالات الطبية.

@Alahmadim2010