شاكر أبوطالب

اليسار واليمين والإسلام!

الاحد - 25 أكتوبر 2020

Sun - 25 Oct 2020

لا يمكن إغفال العلاقة بين تصريحات الرئيس الفرنسي واقتراب موعد الانتخابات، والخوف من تراجع شعبيته بعد تكرر أعمال الشغب نتيجة إهمال الرعاية الصحية، والافتقار إلى الرعاية الاجتماعية، واحتجاجات «السترات الصفراء»، وتأثيرات فيروس كورونا على الاقتصاد الفرنسي، وغيرها من الأمور التي تؤثر على شعبية إيمانويل ماكرون.

ومن المنطقي التفكير في قضية ما والمراهنة عليها للحصول على مزيد من التأييد الانتخابي، وتمثل شؤون المسلمين في فرنسا إحدى أهم القضايا الجاذبة للرأي العام الفرنسي في السنوات الأخيرة، خاصة اليمين المتطرف، الذي يعبر دائما عن أفكار ومواقف سلبية تجاه المسلمين.

والرئيس الفرنسي في خطابه مطلع الشهر الحالي ارتكب مخالفة صريحة للمادة الأولى من الدستور الفرنسي، التي تنص على احترام جميع المعتقدات، سواء على الفهم العميق لمرتكزات الثورة الفرنسية، أو التفسير السطحي لعلمانية الجمهورية الفرنسية، التي تقوم على مبدأ فصل الدين عن شؤون الحكومة والدولة، وكذلك عدم تدخل الحكومة في الشؤون الدينية.

في الحادثة الأخيرة جميع الأطراف مجرمون، فعرض المعلم الفرنسي لرسوم مسيئة للرسول عليه السلام أمام طلاب بينهم مسلمون بأنه تعليم وتدريب على حرية التعبير هو جريمة، والمهاجر اللاجئ الذي قتل المعلم الفرنسي مجرم واستحق جزاءه، وتبرير الرئيس الفرنسي فعل مواطنه المدرس هو جريمة أيضا.

والحقيقة التي لا يمكن حجبها أن شؤون الدين الإسلامي باتت من الأوراق التي يلعب بها في السياسة، ومن ضمن الأوراق الانتخابية التي يراهن عليها في السباق الرئاسي لعدد من دول أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية.

في المقابل، لا يمكن للرأي العام العالمي تكذيب عينيه التي تشاهد عددا كبيرا من الحوادث الإرهابية وأعمال العنف المنسوبة للإسلام، التي يقف خلفها جماعات أو أفراد يحملون تفسيرات متطرفة خاصة بهم، ويحاولون الالتزام بها وتطبيقها في أي زمان ومكان، سواء داخل الدول الإسلامية أو في المجتمعات الأخرى.

هنا يأتي دور السياسيين في الدول الغربية والولايات المتحدة، حيث يقومون باستثمار وقوع مثل هذه الأحداث لاستمالة عاطفة الرأي العام، والسعي للتركيز حول قضية واحدة يتم تصويرها بأنها تشكل تهديدا حقيقيا لأمنهم الوطني وسلمهم الاجتماعي، ما يعني صرف الرأي العام ومعظم وسائل الإعلام عن قضايا أخرى كانت مرشحة للتصعيد والنقاش.

ولن يجرؤ ماكرون على وصف الإسلام بأنه دين يعيش أزمة في كل العالم، ما لم يكن هذا الوصف قد تردد في النقاشات النخبوية عن فرنسا وهويتها ومستقبلها، وبالتالي فإن الجو العام مهيأ لاستقبال مثل هذا الوصف، وربما خطاب ماكرون هو المحفز الرئيس لقيام المعلم الفرنسي بعرض الرسوم المسيئة للرسول عليه السلام.

ما يحدث في فرنسا هو إعادة طرح لموضوع صراع الحضارات وصدام القيم، وغزل بين تيارات سياسية وفكرية فرنسية، وقد نشهد في الفترة المقبلة مزيدا من التركيز على فكرة «الانعزالية الإسلامية» في فرنسا، الأمر الذي ربما يتسبب في انهيار مشاريع الدمج والتنوع، وإظهار الفرد المسلم بأنه لا ينتمي للمجتمع الفرنسي ومنظومته القيمية والثقافية، وربما يشجع ذلك على مزيد من التطرف والعنف والإرهاب.

هجوم الرئيس الفرنسي على الإسلام خطوة للخلف في التعايش واحترام الأديان، خاصة مع تزايد معدلات الهجرة من الدول الإسلامية، وزيادة الكثافة السكانية في نسبة المسلمين بشكل عام داخل فرنسا والمجتمعات الغربية.

shakerabutaleb@