دلال ذياب المطيري

تعليم الإنجليزية يبدأ من الصفوف الأولية..قرار منتظر منذ عقد

الأربعاء - 07 أكتوبر 2020

Wed - 07 Oct 2020

إن المتأمل في مناهج اللغة الإنجليزية في المملكة العربية السعودية في العقدين الماضيين يجد أنها مرت بعدد من التحولات والتطورات والتغيرات على جميع المستويات، سواء على مستوى القرارات أو الإجراءات أو التعاقد مع الشركات العالمية.

نقطة البداية أن تدريس اللغة الإنجليزية في المملكة العربية السعودية كان مقتصرا على المرحلتين المتوسطة والثانوية، وكانت مناهج اللغة الإنجليزية تبنى وتصمم من قبل متخصصين باللغة الإنجليزية في وزارة التربية والتعليم سابقا، حتى صدر قرار مجلس الوزراء 27 / 6 / 1424هـ، القاضي بتدريس اللغة الإنجليزية في المرحلة الابتدائية، وتنفيذا لهذا القرار بدأت الوزارة تدريس مادة اللغة الإنجليزية لطلاب الصف السادس الابتدائي ابتداء من عام 1425-1426هـ.

وبداية من عام 1428-1429هـ قامت وزارة التربية والتعليم بالمملكة العربية السعودية (آنذاك) بتجريب تدريس اللغة الإنجليزية في بعض إدارات التعليم، ابتداء من الصف الرابع الابتدائي، حتى صدر قرار مجلس الوزارة رقم (160) وتاريخ 28 / 5 / 1432هـ، القاضي بتدريس مادة اللغة الإنجليزية كمادة أساسية ابتداء من الصف الرابع الابتدائي بشكل تدريجي، وذلك مع بداية العام الدراسي 1432-1433هـ. لذا أطلقت وزارة التربية والتعليم (آنذاك) ممثلة في الإدارة العامة للمناهج ووكالة الوزارة للتخطيط والتطوير (مشروع تطوير مناهج اللغة الإنجليزية).

واستكمالا للخطوات والمشاريع التطويرية السابقة، اعتمدت وزارة التعليم قبل أسابيع قليلة تعليم اللغة الإنجليزية من الصف الأول الابتدائي ابتداء من العام المقبل 1443هـ، ومما لا شك فيه أن هذا القرار سوف يكون له مؤيدون ومعارضون من مُختلف أطياف المجتمع، ولكل منهم وجهة نظر وأدلته التي تُدعم رأيه.

حقيقة يعتبر موضوع تدريس لغة ثانية منذ مراحل الطفولة المبكرة من أبرز المواضيع التي شغلت علماء اللغة الاجتماعيين والمهتمين بنظريات اكتساب اللغة (language acquisition theories) منذ سنوات، ناقشوا فيها فوائد وسلبيات تعليم الطفل منذ سنوات مبكرة لغة ثانية، كما تمت المقارنة ما بين أطفال أحاديي اللغة وأطفال ثنائيي اللغة.

وتتمثل الفوائد الرئيسية لتعلم لغة ثانية في سن مبكرة في أن الأطفال يتعلمون اللغات بشكل أسرع وأسهل، حيث إن لديهم مزيدا من الوقت للتعلم، ومثبطات أقل، ودماغا مصمما لتعلم اللغة، فهيكل الدماغ يُسهل تعلم اللغة الثانية، فعلى المستوى البيولوجي الأطفال مثل الإسفنج، حيث إن الدماغ مصمم لاكتساب المعلومات الجديدة دون وعي.

فقد اكتشف الدكتور بول ثومبسون (Paul Thompson)، أستاذ علم الأعصاب في جامعة كاليفورنيا، وفريقه أن أنظمة الدماغ المتخصصة في تعلم لغات جديدة تنمو بسرعة من عمر ست سنوات حتى سن البلوغ، ثم تُغلق هذه الأنظمة بشكل أساسي وتتوقف عن النمو من سن 11 إلى 15 عاما خلال فترة البلوغ، كما أن الطفل في سن الست سنوات يصل إلى سن اكتمال التمايز اللغوي.

وهنالك عدد من الدراسات العلمية الحديثة التي أكدت أن تعلم لغة ثانية في مرحلة الطفولة له فوائد معرفية كثيرة، تمتد لمرحلة البلوغ والشيخوخة، ومن أبرزها دراسة بيلهام وأبرامز (Pelham & Abrams, 2014). كما أظهرت دراسة قويتز (Goetz, 2003) من كلية كالفن في ميتشغان دليلا على أن الأطفال ثنائيو اللغة يتمتعون بميزة في تطور «نظرية العقل»، وهو ما يسميه علماء النفس القدرة على رؤية الأشياء من منظور الآخرين والتنبؤ بسلوك الآخرين.

ومن أبرز المخاوف التي قد يخشاها البعض تعارض تعلم اللغة الثانية مع تعلم اللغة الأم (Mother Tongue) وتلاشي الهوية الثقافية، على الرغم من أن الدراسات والبحوث العلمية أثبتت قابلة الطفل الجمع بين تعلم اللغة الأم ولغة ثانية في آن واحد، كما أكدت التجارب التعليمية في بعض الدول المتقدمة مثل إسبانيا التي تدرس اللغة الإنجليزية منذ الصفوف الأولية على إمكانية الجمع بين لغتين.

ولعلي أستشهد بتجارب المدارس العالمية والأهلية في المملكة العربية السعودية، والتي تعتمد تدريس اللغة الإنجليزية من الصفوف الأولية منذ سنوات طويلة، بل تعدها ميزة أساسية من المميزات التي تُسهم في جذب أولياء الأمور لتدريس أبنائهم في هذه المدارس، فنلاحظ أن خريجي هذه المدارس يتقنون استخدام اللغة العربية لأنهم تعلموها من الأسرة أولا ومن ثم في المدارس ويمارسونها في المجتمع المحيط، كما أنهم في الوقت نفسه يتقنون استخدام اللغة الإنجليزية ويمارسونها في حياتهم اليومية، فلم يحدث هُنالك أي تعارض بين تعليم اللغة الإنجليزية واللغة الأم.

ومن وجهة نظري، تعليم اللغة الإنجليزية بالصفوف الأولية قرار جريء وخطوة تطويرية انتظرناها منذ عقد من الزمن، ولا سيما أنه في الوقت الحالي اللغة الإنجليزية تُعد لغة العصر، فهي من أكثر اللغات انتشارا حول العالم، إذ إنها تستخدم في عديد من المجالات، كالسياسة والطب والتجارة والسياحة والتعليم والبحث العلمي.

وقد أشار كل من لازارو وميدال (Lazaro and Medalla, 2004) إلى أن اللغة الإنجليزية هي اللغة الرسمية لـ 52 دولة حول العالم. كما أنه لا توجد دولة حول العالم لا تُدرس اللغة الإنجليزية في مدارسها ومعاهدها وجامعاتها. بل إن كثيرا من الدول جعلت تعليم اللغة الإنجليزية هدفا استراتيجيا تسعى لتحقيقه، وأن تقريرا لأهداف اليابان في القرن الحادي والعشرين تضمن التأكيد على تعلم هذه اللغة، ليس لاعتبارها مجرد لغة أجنبية، ولكن باعتبارها لغة عالمية لا غنى عنها. لذا لا بد أن يكون لدينا وعي متزايد بأهمية تعليم اللغة الإنجليزية لغة ثانية.

ولتنفيذ هذا القرار على الوجه الأمثل وتحقيق الأهداف المنشودة منه بجودة عالية، ينبغي للوزارة أن تحرص على تأهيل معلمي ومعلمات لغة إنجليزية متخصصين للمرحلة الابتدائية، ولعلي أشير إلى الإطار العام لبرامج إعداد المعلم في الجامعات السعودية المطروح أخيرا أنه لم يتضمن إطلاقا آلية أو برنامجا لإعداد معلمي ومعلمات اللغة الإنجليزية للمرحلة الابتدائية، لا في النظام التكاملي ولا التتابعي، على الرغم من أهمية هذه المرحلة وحساسيتها، فكما هو معروف المرحلة الابتدائية هي مرحلة تأسيس تتطلب معلمين ومعلمات مؤهلين أكفاء، متمكنين من مبادئ ونظريات اكتساب اللغة وتعلمها (Language Acquisition)، إضافة إلى إلمامهم بخصائص النمو والخصائص النفسية والسيكولوجية لمتعلمي المرحلة الابتدائية، وإلمامهم باستراتيجيات وطرق تدريس اللغة الإنجليزية المناسبة لهذه المرحلة.

وأخشى أن يكون الوضع المقترح لمعلمي ومعلمات اللغة الإنجليزية للمرحلة الابتدائية هو انتداب معلمي ومعلمات لغة إنجليزية من المرحلتين المتوسطة والثانوية كما هو الوضع القائم الآن، بمعنى العمل على سد احتياج المرحلة الابتدائية دون أن يكون هنالك تخصصية في الأعداد أو الكفاءة. الوضع الآن مختلف، فتدريس اللغة الإنجليزية للمرحلة الابتدائية يبدأ من الصف الأول الابتدائي، أي لست سنوات متتالية.