عبدالله الأعرج

الاختبارات السريرية للتعليم!

الاحد - 13 سبتمبر 2020

Sun - 13 Sep 2020

ما زال العالم بأسره يحشد كل إمكاناته من أجل التعليم! معلمين، دور تعليم، مناهج، وسائل تعليمية.. وما زال السؤال الكبير: هل تحقق (التعلم) من كل هذه العناصر التعليمية؟

البنك الدولي في مرحلة ما من مسيرته اهتم إلى أن أصابه الغم حول مدى تحقق (التعلم) من (العملية التعليمية)، وأنشأ منصة تسمى (معلمون طامحون وطلاب طامحون)، واستحث الهمم والعزيمة بعبارات على شاكلة «سأكون معلما عندما أكبر»، في محاولة لإعادة بعث روح الحماس في قطبي التعليم الأمكنين (معلم ومتعلم) ليحققا التعلم!

المحبط في الأمر أن البنك الدولي أقر بأن قياس مقدار التعلم لدى الطالب عملية معقدة جدا، وهي بتقديري تشبه إلى حد كبير قياس مستوى الثقة أو الطموح أو الحب لدى شخص ما تجاه شخص ما أو شيء ما!

أما الجميل في الأمر فهو أن هنالك شبه إجماع أن مهندس قياس التعلم معلوم، ألا وهو (المعلم) بما يملكه من عيادة متخصصة في فنون الجذب والتشويق وهندسة الحب والاندفاع نحو تحقيق التعلم!

إذا نحن أمام معادلة تعليمية بسيطة قوامها مجهول واحد (التعلم) ومعلوم واحد (المعلم) ولا مناص من أن يقوم المعلوم فيها (المعلم) بفك شفرة المجهول وهو (التعلم) مستعينا بأدوات يملكها شخصيا ومحاطا بممكنات تعطى له لإنجاز هذه الجراحة العاجلة والمهمة في ذات الوقت!

فأول ما يجب أن يمتلكه المعلم لكي يعلم طلابه أن يكون لديه (معرفة) شاملة لا تقف عند حدود المادة التخصصية فحسب لأنها ليست كل ما يحتاجه لتحقيق التعلم، بل تتعداها لمهارات مهنية تستخدم لتقديم المعرفة بطريقة مناسبة ومنها: استهداف مكامن الاحتياج لدى المتعلم، معرفة طبيعة المتعلم، الربط والتحليل والاستنتاج الذكي smart inferences وغيرها.

وأكثر ما يحتاج إليه المعلم من ممكنات لكي تتم هذه الجراحة الدقيقة التشجيع والاحترام والتمكين ووضع كامل الثقة في قدراته وإبراز إنجازاته بشكل يتعدى سقف المألوف والمعتاد والمتداول!

وقبل كل هذا وذاك فإن عملية اختيار المعلم المعقود عليه تحقيق التعلم لا يجب أن تنطلق من مسمى (وظائف تعليمية) بل من مسمى (بناة أوطان)، وأن تكون معايير الاختيار دقيقة، متبصرة، متقدمة في إجراءاتها وطبيعتها، حاسمة حازمة في مواكبتها للحديث والجديد والمختلف! وحين يتم الاختيار تكون المميزات التي يتنافس عليها المتقدمون مساوية لمستوى التنافس للظفر بهذا الشرف!

دعوني أعيد صياغة معلومة ذكرتها أعلاه أن كثيرا من المعلمين حول العالم يعانون من معرفة مدى تحقق التعلم لدى طلابهم، وذلك لغياب أدوات القياس الصحيحة لمستوى الإدراك وهو الأمر الذي يجعل مراجعة النظم القائمة المعنية بتحقق التعلم في الكيانات التعليمية الحالية من وزارات ومنظمات وهيئات ومؤسسات وجامعات مطلبا فوريا لا يحتمل التأجيل، كما يتطلب معرفة هذا الأمر إعادة النظر في كثير من السياسات التعليمية القائمة مأخوذا في الاعتبار ما تم إلى حينه وما يجب أن يكون مستقبلا إلغاء أو إضافة أو تحويرا.

دعوني أختم - وكأني بالبعض ينتظر من هذا المقال حلا سحريا لكيفية تحقيق التعلم - بأنه لا يوجد من يستطيع الحزم بوجود ما يشبه اللقاح لهذا الأمر، ولكن الإجراء المنطقي المقترح للوصول إليه لا يجب أن يختلف عن التجارب العلمية المخبرية والسريرية للكشف عن مسببات الأوبئة والأمراض، وذلك بإشعال فتيل التنافس الأكاديمي والميداني حول أبحاث التعلم المحلي، نواتج التعليم الوطني، محفزات التعلم الإقليمي، ثم إخضاع كل ذلك للتجارب السريرية لمدة مقنعة في (المدارس والجامعات) أسوة بمثيلاتها في المستشفيات، وعندها سنحتفي كثيرا باللقاح والفلاح والنجاح!

@dralaaraj