ياسر عمر سندي

خروف للـ بيييع!!

الأربعاء - 02 سبتمبر 2020

Wed - 02 Sep 2020

تناقل المجتمع قبل أيام عبر وسائله التواصلية مقطعا مجتزأ من مقابلة سابقة أجريت على قناة فضائية، ضمن برنامج ثقافي متخصص في المواضيع النفسية والاجتماعية، واستضاف خلاله مستشارا في التنمية البشرية والتدريب، ودار الحوار في زوايا هامة داخل أروقة العلاقات الزوجية، وكان الشاهد في ذلك أن المستشار تحدث عن مصطلح «الخرفنة» تحديدا، وهو استسلام مطلق، وانصياع كامل من الزوج تجاه زوجته في تعامله معها، ليعيش في أمن وأمان وسلام واطمئنان.

وبحسب تعليق المستشار في رده على استفسار مقدم البرنامج بأن المجتمع حاليا وفي الآونة الأخيرة أصبح يصف الزوج، الطيب، والمهذب، والرومانسي بالخروف خصوصا من أهله وعائلته، ودائرة القرابات والصداقات لديه، وعلق الأول في كلامه بأن الزوج لا يضيره ولا يعيبه أن يكون خروفا عند زوجته، مسالما خنوعا ليكسب ودها ويسعدها، على أن يكون في بيته ثورا هائجا يثير المشاكل بينه وبين زوجته وأبنائه وأسرته ومحيطه.

وكمتخصص في علم النفس والسلوك؛ أحببت أن أعلق على الموضوع والمصطلحات السلبية التي يتم نقلها وإسقاطها مجتمعيا، وبالتالي تعزيزها بطريقة غير صحيحة، خصوصا من قبل النشء الجديد لمن هم قبل سن الزواج من المراهقين والمراهقات، أو من هم في عداد المقبلين على الزواج، وأيضا لمن هم في منظومة الزواج أصلا ويعيشونه بتفاصيله، فالأمر يحتاج إلى الاستنهاض الاجتماعي؛ تقديرا لإنسانية الزوج والزوجة، وأيضا لأنهم جنس بشري كرمهم خالقهم بالعقل ورفعهم به الدرجات عن سائر المخلوقات، وتنزيها لهم من التشبه بالحيوانات.

فإذا تحدثنا عن الحياة الزوجية بكل ما تحمله من إيجابيات وسلبيات أجدها أعمق من ذلك وأقوى؛ كونها مؤسسة أخلاقية قويمة، وهي بلا شك أسمى العلاقات البينية التي تنشأ بين الرجل والمرأة، والمفترض أن يسودها التقدير والاحترام قبل الحب والانسجام، فلا ينبغي أن ينظر أحد الطرفين للآخر بنظرة دونية أو استعلائية أو مصلحية؛ فإذا نظرت الزوجة إلى زوجها بصورة ذهنية مشوهة، حملتها في الأساس من إسقاطات مجتمعية بالية، بأن الزوج يجب أن يكون مطواعا وخانعا دوما وأبدا، في شخصيته، وأسلوبه، فإنها حتما ستستمر في استدعاء تلك الصورة السلبية، وإسقاطها على كل موقف يستحضر السلوك الرومانسي الراقي من زوجها، وهو بالتالي إنسان قد يعتريه من الظروف المالية والنفسية والمهنية ما يعكر من شخصيته ويغيرها مؤقتا على غير عادته معها، فحتما ستصاب الزوجة بشيء من الذهول والاستغراب، وتتساءل: لماذا تغير خروفي الوديع؟ فيحدث الجفاف العاطفي، بسبب تلك الصورة الذهنية المشوهة عن الزوج، وربما يؤول الأمر إلى الطلاق.سؤالي الافتراضي والاستنكاري في نفس الوقت: ماذا لو تم عكس المفاهيم المجتمعية الخاطئة، بأن توصف الزوجة على أنها «نعجة»؟ كونها تطيع زوجها دائما وأبدا في المنشط والمكره، ولا تشتكي منه بتاتا، وأيضا حنونة على أبنائها وتقوم بواجباتهم، وتربيتهم، ناهيك عن شؤون منزلها وواجباتها الزوجية المتراكمة، وتنسى مع ذلك حقوقها؟ وأيضا على النقيض، ماذا لو لم تطع وتنصع لزوجها وطلباته، هل سنطلق عليها مسمى «بقرة» هائجة بقراراتها وأسلوبها الفظ إذا ما تعكر صفو مزاجها وتكدرت في فترات عذرها الشرعي، وشعرت بعدم استقرارها؟رسالتي إلى مستشاري السلوك وتطوير الذات، احذروا من إسقاطات مصطلحاتكم وإشاراتكم المباشرة وغير المباشرة، خصوصا في المواضيع الزوجية، والتي تتطلب الكثير من الرفق واللين والتركيز على المعاملات في اللاوعي، والواعية أيضا، المبنية على الدبلوماسية في التفاهم والتناغم، وليس على الخضوع والخنوع، فالعلاقة تستدعي التهذب والتأدب. والميثاق الغليظ يقوي من رابط المودة والرحمة بين الزوجين، ويبعد الصور الذهنية السلبية، والمجتمع في أمس الحاجة إلى جرعات التعقل، والتريث، وتعزيز مبادئ الذكاء العاطفي في التعامل الزواجي، فهما شركاء لهذا البناء، فشدة الحنان والاحتواء يجب أن تفسر بأنها قمة الرجولة من الزوج، وليست قوة الخرفنة من الزوجة، وأيضا الزوج يحتاج إلى الوعي الكامل، والتربية المسبقة بأن كل ما تقوم به زوجته من طاعة وخدمة هو من حسن التبعل لزوجها، وأدب الصنيع.

فالنعجة، والخروف.. فقط للبيييع.

@Yos123Omar