عبدالله بن صالح الحقباني

«البتروكيماويات السعودية».. سنوات الجهد والبناء وتحديات المستقبل!!

الأربعاء - 26 أغسطس 2020

Wed - 26 Aug 2020

عاشت صناعة البتروكيماويات السعودية نحو أربعة عقود متواصلة من النمو والازدهار. نشأت هذه الصناعة الاستراتيجية من خلال رؤية متميزة وحكيمة من قياداتنا الراشدة، تواجه تحديات الحاضر وتستشرف آفاق المستقبل بفكر ثاقب وملهم.

وبفضل تلك القراءة الاستباقية الدقيقة، تمددت ونمت الصناعة حتى أصبحت قطاعا استراتيجيا يعول عليه لدعم الاقتصاد وتنويع مصادر الدخل في المملكة.

غير أن تغيرات وتحولات دراماتيكية في المشهد العالمي تثير كثيرا من التحديات في وجه الصناعة، ما يتطلب مواجهتها والتكيف معها بما يحفظ للصناعة مكاسبها التي تحققت عبر سنوات طويلة من البناء.

تطورت الصناعة من مجرد حلم يراود الصناعيين، إلى صرح عملاق يضم مجموعة مزدهرة من الأصول والفروع التي ترفد الاقتصاد الوطني بالموارد البشرية والمالية. لتصبح اليوم رافدا قويا وركيزة أساسية للاقتصاد السعودي. فخلاف دوره كمساهم أساس في التنمية باستثمارات تزيد قيمتها السوقية على 350 بليون ريال (25% من تداول)، يوظف القطاع حاليا 200.000 عامل بشكل مباشر وغير مباشر. كما يدعم الاقتصاد بما قيمته نحو 260 بليون ريال سنويا.

القطاع يمثل نحو 33% من الناتج الإجمالي للصناعة التحويلية في المملكة، ويساهم أيضا بما نسبته 62% من الصادرات غير النفطية. وما يعزز قوة القطاع توزع أنشطته على 130 صناعة متخصصة في مجال البتروكيماويات، إلى جانب التأهيل العالي للعمالة التي تصل نسبة السعودة فيه إلى 70%. ولا تزيد نسبة العمالة غير الفنية في البتروكيماويات عن 13%.

وتكشف الدراسات المتوفرة أن كل وظيفة مباشرة في القطاع تسهم بنحو 1.2 مليون ريال في الناتج المحلي الإجمالي، وتخلق 4 فرص إضافية أخرى في سلسلة الإمداد.

فضلا عن كل ما سبق، يعد القطاع شريكا رئيسا لـ»رؤية 2030»، وبخاصة على صعيد مساهمته في تنويع مصادر الدخل للمملكة، حيث من المؤمل قيام الصناعة بتوليد نحو 100 مليار دولار من الإيرادات غير النفطية بنهاية 2023. وضمن هذه الشراكة الاستراتيجية مع الرؤية السعودية سيوفر القطاع نحو 6 ملايين وظيفة بحلول 2030، من خلال التركيز على الصناعات التحويلية والتعدين والسياحة والصحة.

وفي إطار تناغمه مع التحولات الاستراتيجية للمملكة، يسخر القطاع خبراته وريادته العالمية في مجالات النفط والبتروكيماويات؛ ويستثمرها في دعم مختلف قطاعات الاقتصاد الوطني. القطاع له دور مهم أيضا كمستثمر عالمي في مجال الطاقة على صعيد تنشيط الاقتصاد وتنويع الإيرادات، وكذلك في تحويل المملكة إلى مركز عالمي وملتقى تجاري للقارات الثلاث: أوروبا، وأفريقيا، وآسيا.

قطاع البتروكيماويات السعودي يمكنه القيام بذلك وأكثر، حيث يتشارك مع 30 مستثمرا عالميا ويتواصل مع الموردين والزبائن في كافة أنحاء العالم.

انطلاق صناعتنا نحو العالمية لم يحدث من قبيل الصدفة، بل ترافق مع عدة أسباب منها: البنية التحتية القوية والمتنوعة فقد ضخت الدولة المليارات لإنجازها. كما قامت الصناعة على ميزة نسبية جيدة، حيث ظلت تحصل على «اللقيم» بأسعار تنافسية وجاذبة للاستثمار. غير أن السنوات الماضية شهدت تغيرات دراماتيكية على الصعيد العالمي بدخول منافسين لديهم العمق الاستراتيجي في أسواقهم المحلية، ولديهم أسعار «اللقيم» قد تكون هي الأقل عالميا. بذلك توفرت لديهم القوة التنافسية التي صنعت منهم أكبر منافس للصناعة المحلية.

لاحظنا الانتعاش غير المسبوق في الولايات المتحدة، التي أصبحت بعد اكتشاف الغاز الصخري أكبر منتج ومستهلك للغاز، وبذلك تحول المستورد الأول في العالم إلى مصدر رئيس تليها الصين التي أصبحت بدورها تكتفي ذاتيا.

تتطلب تلك التحولات في المشهد العالمي من الصناعة البحث عن أسواق أخرى جديدة، والأخذ ببعض الإصلاحات المهمة التي تحافظ على تنافسية الصناعة على الأمدين المتوسط والبعيد، آخذين في الاعتبار التغيرات المناخية، والتغيرات الاقتصادية المتمثلة في دخول منافسين جدد، وغياب أسواق كانت ملاذا للصادرات السعودية.

يتطلب كل ذلك من صناع القرار المحافظة على تنافسية الصناعة وعدم تجاهل تلك التحولات المهمة في العالم، ولقد شهدنا هذا العام على سبيل المثال، ولأول مرة منذ ثلاثة عقود، بأن تكلفة الإيثيلين من النافثا هي الأفضل اقتصاديا وربحا من الإيثان، ويحتم علينا هذا ضرورة النظر في مرجعية الأسواق العالمية، وكذلك تعزيز العلاقة التكاملية بين الصناعتين الكيماوية والتحويلية.

ورأينا خلال الفترة الماضية اهتماما كبيرا من الدولة بصناعتنا التحويلية باعتبارها توأم البتروكيماويات والمكمل لها، وتبعا لذلك نرى ضرورة توفير المواد الخام لهذه الصناعة بأسعار تنافسية، بما في ذلك منح خصومات مشجعة للاستثمارات المتخصصة. هذا التناغم بين القطاعين (الكيماوي والتحويلي)، من شأنه أن يعطي زخما قويا للصناعة السعودية بشكل عام، ويعزز قدراتها التنافسية محليا وعالميا. وبذلك فإن المحافظة على تنافسية الصناعة من خلال العمل على تحقيق الاستقرار لأسعار اللقيم، ربما يكون المحور المهم في أجندة الصناعيين السعوديين على الأمدين المتوسط والبعيد.

أما وقد دخلت جائحة كورونا كعنصر جديد ومهم في المشهد العالمي بكثير من التحديات (ركود الاقتصاد العالمي وتراجع الطلب كمثال على ذلك)، فلا بد من أخذ هذا في الاعتبار من حيث تأثيره على واقع الصناعة وتنافسية أسعار اللقيم التي تكيفت معها الصناعة لسنوات طويلة. فحسب توقعات الاختصاصيين فإن تداعيات «كورونا» ربما تستمر لسنوات طويلة، وقد تمتد حتى 2023، قبل أن يتعافى الاقتصاد العالمي ويعود إلى معدلات العام الماضي 2019.

@binzaidabdullah