محمد أحمد بابا

مصطلحات لكل المناسبات

الاثنين - 24 أغسطس 2020

Mon - 24 Aug 2020

لا شك بأن اللغة تدور مع احتياجات الناس لتلبي طلباتهم في التعبير عما يشعرون به أو يودون إيصاله للآخرين أو لأنفسهم، ويبدو واضحا في هذا الزمان بأن السرعة التي اتسمت بها مناحي الحياة أسرعت للغة أيضا وجعلت صياغة المصطلحات للأمور الحادثة أو الصرعات المستجدة أمرا في غاية السهولة إن لم يصل لدرجة العفوية المنطقية في أسلوب لا يقاومه مجمع لغوي ولا رابطة لحماية الألسنة.

السياسة في عالمنا العربي ذلك الغول الرهيب دفع كل الشرائح لأن تكون ذا ضلع فيها شاءت أم أبت، فلا ابتسامات ولا نكات من غير سياسة، ولا مشاحنات ومشاجرات من غيرها، ولا أحزاب ولا تكتلات يمكن أن تظهر دون مسيسين، فكيف بالمصطلحات اللغوية أن تسلم من الاستحداث المرغوب وغير المرغوب، والاستنساخ المستساغ وغير المستساغ من سياسة في الماء العكر كما هو الحال اليوم.

درج إعلامنا العربي منذ إفاقتي على سماع النشرات الإخبارية على تسمية أي دولة لم يعجب الآخرين جديدها (بالنظام)، فبعد أن كنا نسمع دولة العراق ونحن صغار صرنا نسمع (النظام العراقي) بعد مستجدات صدام حسين، وبعد أن كنا نسمع الجمهورية الإسلامية الإيرانية صرنا نسمع في وقت من الأوقات (النظام الإيراني) بعد مجاذبات الإيرانيين في ذلك الحين، واليوم صار الجميع حتى الأميين والعوام لا يذكرون سوريا بغير مصطلح (النظام السوري) وليس ذلك بالجديد فالمناسبة تقتضي ذلك.

بعد الثورات والربيع أو الخريف العربي وجد الحكام الجدد أو أهل الحل والعقد العصريون شماعة يعلقون عليها فشلهم أو فشل غيرهم بقولهم (النظام السابق)، وليس ذلك بمستغرب في مصر أو ليبيا أو تونس، فهم حديثو عهد بنظام سابق بالفعل، لكن (المالكي) في العراق صدح أيام سلطته بأن بعض أزمة العراق هي من (النظام السابق) بعد أن مر على ذلك سنون كثيرة.. فيا للعجب.

وكيف لا يظهر للسطح الربط بين استحداث مصطلح (الإرهاب) في عقود مضت وبين ما يتزايد من مصطلحات تتفرع عن ذلك النسق بشكل كبير سواء ارتبطت بذلك الصدد أو انسلخت عنه، ومن ينسى مصطلح (الدول المارقة) ومصطلح (مثلث الشر) حتى اضطر العالم العربي للتأثر السلبي البغيض بذلك فاستمع لنداء التحذير وابتدع مصطلح (الوسطية) من جيب اللفظ الحرفي دون المعنوي.

ومثلما اكتسحت الديموقراطية الشكلية أوطاننا تفرق العرب في تسمية من يلصقون بهم إفساد مظاهراتهم وعسكرة ثوراتهم، ففي مصر (بلطجية) وفي ليبيا (مرتزقة) وفي سوريا (شبيحة) وفي تونس (فاسدون) وفي العراق (طائفيون) وفينا (فئة ضالة) وفي أمكنة أخرى (مخربون) والقائمة تطول.

أما التعبير العبقري (بالفلول) الذي انفردت به مصر العزيزة بامتياز فقد نال من استحسان العابثين والجادين ما جعله مطية للبحوث وللاستهزاء على حد سواء، وأما التعبير (بالمطاليب) في العراق بلد اللغة والنحويين في مد بالياء بعد اللام فهو مسرح لأن نقول بأن ما يشعر به هؤلاء من حرقة تجاه ما يطلبون جعلهم يستفيدون من مقولة بأن الزيادة في المبنى تسوق للزيادة في المعنى.

أجزم أنا بأنه لا صغير ولا كبير اليوم إلا ويعي الفرق بين (الإسقاط) و(التنحي) ويعرف التفريق بين (الطائفية) و(الحزبية) ويعلم بأن هناك بونا شاسعا بين (الشعب) و(الثوار) ويستطيع الاستنتاج بأن (الدستورية) تعني (القوة) وأن (الشهداء) هم من يمنحهم الراضون هذا اللقب.

ولقد لعبت المصطلحات دورا كبيرا في تسميات تخطت حاجز كتاب جينيس للأرقام القياسية ليوم الجمعة في كل رقعة العالم العربي حتى مل الناس هذا الأمر ولم يجدوا لبعض الجمع تسميات، ليجيئ مصطلح (الدولة العميقة) صاحب حضور كبير عند المحللين العسكريين والسياسيين، مما جعل الرئيس مرسي يستخدمه في خطابه الأخير مشيرا إلى أنه يعرف.

كل هذا دعاني لأن أسحب لومي وانتقادي الذي وجهته في سنين مضت لبعض الماركات التجارية في وطننا التي سمت منتجها (بدون اسم) أو (سمينا بنفسك) فهم محقون في ذلك جدا بالنظر لما تعج به ساحة المصطلحات اليوم من أسماء ضاق بها الفضاء ذرعا.

ولن يكون مفاجئا أبدا بالنسبة لي إن شاهدت يوما محلا تجاريا كتب لوحة إعلانية بالخط الأكبر من العريض (مصطلحات لكل المناسبات) فقبله باعت الناس الأشعار والرسائل وكلمات الأغاني والتعويذات والماء والهواء والقبور والتراب والنفايات، وما المصطلحات إلا شيء من هذه الأشياء لمن يملكها.

@albabamohamad