ياسر عمر سندي

«مهد» الذهب

الأربعاء - 12 أغسطس 2020

Wed - 12 Aug 2020

كنت ولا زلت أثق في القدرات الكامنة، والكفاءات العالية، والإمكانات الجامحة، التي يمتلكها أبناؤنا الطلبة؛ ومنذ ما يقارب جيل من الزمن بحساباتي العمرية، ومن خلال ملاحظاتي، أتذكر وأنا على مقاعد الدراسة للمرحلة الابتدائية، بأن أقراني، وزملائي، على مستوى الصداقة، والدراسة، يحاولون بأساليبهم المتغيرة التنافس لإبراز مواهبهم الرياضية اللافتة؛ وبحكم أنهم نشؤوا في بيئات مختلفة بهذا الوطن القاري بجهاته الأربع، وبوصلته المتمركزة والمحركة لمختلف هذه الاتجاهات بطريقة جاذبة للخبرات، وحاضنة للمهارات؛ لتبرز الجدارات، وتعزز الإنجازات، على جميع المحافل، والمستويات.

فالرياضة بكل إبداعاتها، وعشاقها؛ تحتاج لمصانع تعمل على استخلاص أفضل المنتجات، وطرح أجود ما تحمله من موارد بشرية متمثلة في شباب هذا الوطن، الذين يمتلكون المعرفة الخاصة، والفريدة من نوعها، والتي منحهم إياها الخالق المبدع؛ فأكرمهم بمواهب وإبداعات، فلقد أكرم كلا فيما يخصه، ومن هذه المواهب الكامنة؛ هي «الموهبة الرياضية»، والتي تبدأ بالساحرة المستديرة؛ كرة القدم، بالإضافة إلى جميع الألعاب الأخرى، والتي يتنافسون من خلالها باختلاف ميولهم المهارية؛ محليا، وإقليميا، وعربيا، وعالميا.

وسعدت كثيرا كما سعد الآخرون مثلي، جراء مشاهدة وسماع خبر إطلاق أكاديمية «مهد» لاكتشاف المواهب، والتي أطلق مشروعها، وزير الرياضة الشاب الأمير عبدالعزيز بن تركي الفيصل، والذي يستهدف نحو مليون و700 ألف طالب وطالبة، ضمن أكبر طموح وطني مرتقب، يحتضن المواهب الرياضية الخلاقة، ويفتح لهم أبواب الانطلاق الإبداعي، على كافة الألعاب الفردية، والجماعية، للجنسين ذكورا وإناثا، ابتداء من عمر 6 إلى 12 سنة.

ومن وجهة نظري السلوكية والمعرفية، أرى أن هذه المرحلة الذهبية هي البناء الفعلي للشخصية لدى الأطفال، وفي هذه المرحلة العمرية المبكرة، والتي تساعد على رفع مستوى التوقد الإبداعي، والتفتق الذهني، والمهاري، استنادا إلى المخزون المعرفي، والاستعداد النفسي، اللذين يرتقيان بالتعاون المسبق من قبل المؤسسة الأسرية، والمؤسسة التعليمية؛ فكلتا هاتين المؤسستين، تدعمان الطلاب في المراحل التأسيسية؛ وأحيانا قد تخفق المؤسسة التعليمية في رعاية الإبداعات لدى الأطفال، إذا ما اتبعت منهجية التنميط، والتأطير، وعدم منح الفرص خارج المواد الصفية لدعم اكتشاف الكوامن النشطة، والفذة لدى المتميزين؛ وأحيانا قد تخفق المؤسسة الأسرية تربويا، بعدم الاهتمام بالأبناء، أو التقليل من موهبتهم، وتشويه الصورة الذهنية تجاه الألعاب الرياضية؛ والتركيز فقط على الناحية الدراسية، وإعطاء رسائل عكسية بأن ممارسة الهوايات والنشاطات الرياضية، ما هي إلا مضيعة للوقت والجهد، وأنها فشل وخيبة أمل، ستطال الطالب في مسيرته الدراسية؛ فالموروث العائلي السلبي، في إلحاق ممارسة الرياضة بالإخفاق؛ يعمل على تثبيط الإبداع، ويؤدي إلى حالة من الانطفاء، والخمود لوهج الموهبة؛ فالمرحلة الابتدائية مرحلة حرجة جدا، كونها مرحلة التأسيس والانطلاق العلمي للمعرفة، والعملي للموهبة، على المستويين الشخصي والمجتمعي، تحتاجان إلى عقد شراكة بين البيت، والمدرسة، وإشراف أكاديمي ممنهج.

ورؤية المملكة 2030 جاءت كخارطة لرسم جودة الحياة السعودية الجديدة المبنية على المعرفة المستدامة، والتي تتطلب الرعاية المسؤولة، ومسؤولية الرعاية؛ و»مهد» أعتبره المنجم الحقيقي للذهب؛ الذي يتطلب التنقيب والبحث المستمرين؛ وبوجود أكاديميات تمثل آلية لمحركات البحث المستقبلي، للعقول، والأفكار، والمواهب للجيل القادم، الذي يمثل أول المنتجات الإبداعية، بانطلاق أول أكاديمية تمتلك خطة مستقبلية، متوسطة وطويلة الأجل، تنطلق من عاصمة الإبداع؛ الرياض، وتليها مدينة جدة، ومدينة الدمام، كثلاث مدن حاضنة لأكاديميات «مهد»، والتي ستبدأ ضمن منظومة عمل مؤسسي منضبط، برئاسة الأستاذ عبدالله حماد، لاكتشاف الطلاب والطالبات المتميزين.

فالاستثمار الفعلي في أبنائنا يستلزم منهجية الكشف، والترشيح، وهما معيارا الحصول على المواهب؛ فمدارسنا المتعددة، ومناطقنا المختلفة، تعج بالذهب النقي الخالص، الذي يحتاج إلى من يستخرجه، ويصقله، ويعيد صياغته، وتشكيله، وكلنا أمل ورجاء بأن القادم سيكتمل بمنافسات أجمل من خلال رؤية تدعم واقعنا، ومستقبلنا من المهد إلى المجد.

@Yos123Omar