عبدالله الأعرج

لدي حلم!

الاحد - 05 يوليو 2020

Sun - 05 Jul 2020

قررت اليوم أن آخذ بنصيحة صاحب النظرية النسبية (ألبرت إنستاين) حينما قال «قد يأخذك المنطق من النقطة A إلى النقطة B، ولكن الخيالات ستأخذك إلى كل الاتجاهات everywhere، ولأن الخيال في التعليم خلق معجزات كتفاحة نيوتن، وصفر الخوارزمي، وقطن أديسون، فإنني أتخيل شكلا مختلفا لبعض ثوابت التعليم، عل هذا التحليق الممنهج في عالم اللا محسوس أن يصادف توفيقا ويصنع فرقا.

تخيلوا معي لو أننا جعلنا التعليم عملا مجتمعيا وليس عملا مدرسيا صرفا، بمعنى أن يشترك البيت مع المدرسة في إعطاء شهادة الاجتياز! كم من الفوائد سنجني من عمل كهذا؟ سأخبركم!

أول ما سنجنيه هو التأكيد الفعلي لمعنى المشاركة في التربية والتعليم، فإن كان الدور الأساسي للمدرسة هو التعليم فإن الدور الأعظم للأسرة هو التربية، وحين نشرك هذين الركنين (البيت والمدرسة) في العمل السلوكي والمعرفي تقديما وتقييما فإننا سنخلق مزيجا رائعا ومتكاملا يجيب عن كثير من الأسئلة العالقة حول شخصية الطالب، ويفسر كثيرا من تصرفاته ويعزز قدرا لا يستهان به من إمكاناته.

وثاني ما سنجنيه تعزيز مفهوم المجتمع المسؤول الذي يعي فيه كل فرد رسالته بحيث يمنح الأسرة مزيدا من الفرص للاطلاع على طبيعة التعليم ونواتجه المتوخاة، كيف لا وهو شريك (ممارس) في هذا المشروع، ويمنح المدرسة مزيدا من الإجابات حول تنشئة الطالب وطبعه وانطباعاته عن ترقيه المعرفي والدراسي الذي لم يكن لنا أن نصل إليه بهذا القدر من السهولة إلا بهذا النمط من التعليم.

وإن كان مفهوم الأسر المنتجة في العرف الاقتصادي يعني أن تقوم الأسرة بصنع منتجات منزلية مختلفة من مأكل ومشرب وحياكة ورسم وغيرها ثم تسوق لها وتبيعها فإن إشراكها في العمل التعليمي سيفتح لها مصدرا آخر للإنتاج، تتقاضى الأسرة المنتجة عليه مبلغا يناسب طبيعة العمل، كما أن وجود الأسرة المنتجة تعليميا بالمقابل سيخفف الضغط على المبنى المدرسي والاستهلاك الخدماتي لتشغيل المباني وصيانتها، وسيقلص عدد الطلاب في الصف ويخفف زحمة السير دون أن يمس جوانب جودة التعليم وكفاءته.

وتخيلوا معي كم سيكون العمل التعليمي جميلا في الجامعات حين يكون المجتمع التجاري والصناعي والثقافي - وقل ما شئت - جزءا لا يتجزأ من الشهادة الجامعية!

تخيلوا معي كم سيكون رائعا أن تمهر الشهادة الجامعية مناصفة أو مثالثة مع قطاع أو أكثر بأن الطالب قد أتم 50%من تعليمه في الجامعة و50%منه في الشركة A أو المنظمة B في التخصص الجامعي نفسه، تخيلوا كم سيكون هذا النوع من التعليم تكامليا في استقائه للمعرفة من مصدريها النظري والميداني، بدلا من الانتظار إلى نهاية فترة الدراسة والانطلاق نحو ميدان الوظيفة أو مجالات البحث دون استعداد مسبق أو باستعداد لا يكفي لسبر أغواره ومعرفة منعطفاته!

وتخيلوا معي لو أن التدريب التقني والمهني ينطلق من السوق باتجاه المعاهد والكليات وليس العكس! كم من الفوائد سنجني حين نفعل، سأخبركم على عجل: سنعرف الاحتياج الحقيقي لسوق العمل كما هو وليس كما يقال عنه، سنسوق لشبابنا في السوق مبكرا، سنكسر حاجز الإحساس بالعيب أو الانتقاص من مزاولة المهنة، سيدرك المتدرب أن الجانب النظري هو الغلاف الفاخر لكتاب العمل اليدوي، سيزيد حجم المشاركة في ملحمة التنمية الوطنية، سيقل الحديث عن نقص التأهيل أو انعدام رغبة المتدرب أو نقص المعرفة، ستتكامل الورشة والمعمل والمكتب هناك مع نظيراتها هنا، فالجميع شركاء والكل رابح!

تخيلت وأنا أؤمن أن الخيال والأحلام منصات للإبداع، وتخيلت وأنا أتذكر مقولة الأمير محمد بن سلمان وتشجيعه بأن الرؤية (للحالمين)، وتخيلت وأنا ما زلت ذلك الشخص الذي أخذ من خيالاته وقودا لأفعاله، وسأظل أتخيل وأحلم بكل جميل في التعليم والتدريب متذكرا تلك المقولة للرئيس الهندي الراحل البروف عبد الكلام حينما قال «إن الأحلام ليست تلك التي تزورنا في المنام، بل تلك التي تجعلنا لا ننام» والسلام!

dralaaraj@