تاريخ جديد في أوروبا
الأربعاء - 05 فبراير 2020
Wed - 05 Feb 2020
بخروج المملكة المتحدة رسميا من الاتحاد الأوروبي في 31 يناير الماضي، وبدء سريان فترة انتقالية مدتها 11 شهرا تبقى الأوضاع فيها على ما هي عليه بين الطرفين، فإن الاتحاد الأوروبي وبريطانيا يفتحان صفحة جديدة في مسيرتهما، فالمملكة المتحدة لم تعد ـ قانونيا ـ عضوا في البرلمان الأوروبي، وغادر ممثلوها جميع المؤسسات والكيانات السياسية الأوروبية، بعد نحو أربعة عقود ونصف العقد من الوحدة الاقتصادية والسياسية بين المملكة المتحدة والكيان الأوروبي، منذ أن كان مجموعة أوروبية وسوقا مشتركة، ثم ثلاث سنوات ونصف السنة من السجال التفاوضي حول شروط «الخروج».
القادم بالنسبة للاقتصاد البريطاني والأوروبي يبدو موضع جدل منذ الإعلان عن نتائج استفتاء «بريكسيت» التاريخي في يونيو 2016، ومؤيدو الخروج يرون أن بريطانيا قد استعادت سيادتها الوطنية من جديد، وأن الاقتصاد البريطاني سيزداد قوة باستعادة حريته في وضع سياسات تجارية خاصة، وعقد اتفاقات تجارة حرة مع اقتصادات كبرى كالاقتصاد الأمريكي، بينما يرى المعارضون أن المملكة المتحدة خسرت مزايا هائلة بفقدان عضويتها في الاتحاد ما لم يتم تدارك آثار ذلك، والحد من تداعياته من خلال اتفاقات تجارية بين الطرفين، وبين هذا وذاك هناك فرق ثالث يتوجس قلقا من بريطانيا ما بعد أوروبا.
السؤال الآن: هل يصدق حديث رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون وتأكيده أن «بريكست» ليس النهاية، بل لحظة بزوغ فجر جديد وبداية فصل جديد من المسيرة البريطانية الوطنية الكبرى؟ أم إن البريطانيين سيشعرون بالندم على تصويتهم لمصلحة الخروج؟ وهل يستطيع جونسون أن يداوي آثار الخروج من الاتحاد الأوروبي بما هو آت من مكاسب وعده بها الرئيس ترمب بتوقيع اتفاق تجارة «رائع» بين الولايات المتحدة وبريطانيا؟
الحقيقة أن جونسون لم ينكر في خطابه للشعب البريطاني بهذه المناسبة وجود «عقبات»، وأن هناك مفاوضات صعبة تنتظر بلاده مع الاتحاد الأوروبي بشأن علاقتهما التجارية المستقبلية، ولكنه متفائل ببداية ما وصفه بعهد جديد من التعاون الودي بين «بريطانيا المفعمة بالطاقة» والاتحاد الأوروبي، وفي جميع الأحوال فإن جونسون ينظر للخروج باعتباره انتصارا سياسيا شخصيا له، حيث نجح فيما فشلت فيه رئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماي، التي أخفقت في التوصل إلى اتفاق أوروبي يرضي البرلمان البريطاني.
التحديات لا تتوقف في بريطانيا على الاقتصاد، بل تشمل السياسة أيضا، فأيرلندا الشمالية تشهد رفضا للبريكست، ورئيسة وزراء اسكتلندا نيكولا ستورجن قالت «إنه وقت حزين جدا تواكبه مشاعر غضب»، وأكدت تصميمها على المضي في تنظيم استفتاء على الاستقلال، رغم رفض لندن. وهناك من يعد استمرار تباين مواقف البريطانيين وتضاربها حول الخروج يعني أن المملكة ستواجه صعوبة حقيقية فيما هو آت.
على الجانب الآخر، فإن المشاعر في أوروبا أيضا تجاه «البريكست» بدت متفاوتة، بعضها يشير إلى «الأسف» وبعضها الآخر يشير إلى القلق مما هو قادم والخوف من أن يشجع أول خروج من التكتل الأوروبي أعضاء آخرين في الاتحاد على تكرار الأمر، مما ينتهي بانفراط عقد الاتحاد.
والحقيقة أن الأمر ليس هينا بكل المقاييس، فالاتحاد الأوروبي قد خسر سوقا تضم 66 مليون مواطن بريطاني يعيشون في ثاني اقتصاد أوروبي، وبالتالي فإننا بصدد تغيير جذري في مسيرة الاتحاد الأوروبي كما قالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، فأوروبا لا تزال غير مصدقة أن زلزال الخروج البريطاني قد وقع رغم أن سنوات الجدال حول شروطه قد خففت كثيرا من حدته النفسية على الأقل.
الحقيقة أن الخروج البريطاني قد جاء في توقيت صعب للغاية بالنسبة للاتحاد الأوروبي، الذي يواجه تحديات استراتيجية بالغة التعقيد، فالمسألة لا تتعلق بالاقتصاد والاتفاقات التجارية والأمنية فقط، وهذه يمكن معالجة كثير من تداعياتها باتفاقات مشتركة تضمن للطرفين، المملكة المتحدة والاتحاد، حقوقا وامتيازات تخفف وقع الخروج، ولكن الأمر يرتبط كثيرا بمستقبل أوروبا الموحدة والمشروع الأوروبي برمته، ولا سيما في ظل التحديات التي تواجه أوروبا على صعد مثل أمن الطاقة والإرهاب والتهديدات المحتملة من قوى دولية كروسيا.
بريطانيا لم تكن على قناعة مع بداية تشكل المجموعة الأوروبية بجدوى المشروع الوحدوي، ولكن نجاحه أجبرها على الانضمام مرات عدة حتى تم قبول طلبها عام 1969، ومع ذلك ظلت فكرة الخروج تراود حكومات بريطانية متعاقبة، وبقيت النظرة الاقتصادية طاغية على رؤية بريطانيا لأوروبا الموحدة، وكان لها دوما تحفظات عميقة على الشق السياسي من المشروع الأوروبي.
ظل الاتحاد الأوروبي نموذجا ملهما لجميع التكتلات الإقليمية، رغم المعاناة وجوانب الضعف والقصور على صعيد ضعف ومحدودية الدور السياسي، فهل يستمر النموذج متألقا وينجح في معالجة آثار الخروج البريطاني؟ أم يخبو وينطفئ ويتأثر سلبا بالخروج الذي قد يتحول إلى بداية لانفراط عقد الاتحاد؟
salemalketbiar@
القادم بالنسبة للاقتصاد البريطاني والأوروبي يبدو موضع جدل منذ الإعلان عن نتائج استفتاء «بريكسيت» التاريخي في يونيو 2016، ومؤيدو الخروج يرون أن بريطانيا قد استعادت سيادتها الوطنية من جديد، وأن الاقتصاد البريطاني سيزداد قوة باستعادة حريته في وضع سياسات تجارية خاصة، وعقد اتفاقات تجارة حرة مع اقتصادات كبرى كالاقتصاد الأمريكي، بينما يرى المعارضون أن المملكة المتحدة خسرت مزايا هائلة بفقدان عضويتها في الاتحاد ما لم يتم تدارك آثار ذلك، والحد من تداعياته من خلال اتفاقات تجارية بين الطرفين، وبين هذا وذاك هناك فرق ثالث يتوجس قلقا من بريطانيا ما بعد أوروبا.
السؤال الآن: هل يصدق حديث رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون وتأكيده أن «بريكست» ليس النهاية، بل لحظة بزوغ فجر جديد وبداية فصل جديد من المسيرة البريطانية الوطنية الكبرى؟ أم إن البريطانيين سيشعرون بالندم على تصويتهم لمصلحة الخروج؟ وهل يستطيع جونسون أن يداوي آثار الخروج من الاتحاد الأوروبي بما هو آت من مكاسب وعده بها الرئيس ترمب بتوقيع اتفاق تجارة «رائع» بين الولايات المتحدة وبريطانيا؟
الحقيقة أن جونسون لم ينكر في خطابه للشعب البريطاني بهذه المناسبة وجود «عقبات»، وأن هناك مفاوضات صعبة تنتظر بلاده مع الاتحاد الأوروبي بشأن علاقتهما التجارية المستقبلية، ولكنه متفائل ببداية ما وصفه بعهد جديد من التعاون الودي بين «بريطانيا المفعمة بالطاقة» والاتحاد الأوروبي، وفي جميع الأحوال فإن جونسون ينظر للخروج باعتباره انتصارا سياسيا شخصيا له، حيث نجح فيما فشلت فيه رئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماي، التي أخفقت في التوصل إلى اتفاق أوروبي يرضي البرلمان البريطاني.
التحديات لا تتوقف في بريطانيا على الاقتصاد، بل تشمل السياسة أيضا، فأيرلندا الشمالية تشهد رفضا للبريكست، ورئيسة وزراء اسكتلندا نيكولا ستورجن قالت «إنه وقت حزين جدا تواكبه مشاعر غضب»، وأكدت تصميمها على المضي في تنظيم استفتاء على الاستقلال، رغم رفض لندن. وهناك من يعد استمرار تباين مواقف البريطانيين وتضاربها حول الخروج يعني أن المملكة ستواجه صعوبة حقيقية فيما هو آت.
على الجانب الآخر، فإن المشاعر في أوروبا أيضا تجاه «البريكست» بدت متفاوتة، بعضها يشير إلى «الأسف» وبعضها الآخر يشير إلى القلق مما هو قادم والخوف من أن يشجع أول خروج من التكتل الأوروبي أعضاء آخرين في الاتحاد على تكرار الأمر، مما ينتهي بانفراط عقد الاتحاد.
والحقيقة أن الأمر ليس هينا بكل المقاييس، فالاتحاد الأوروبي قد خسر سوقا تضم 66 مليون مواطن بريطاني يعيشون في ثاني اقتصاد أوروبي، وبالتالي فإننا بصدد تغيير جذري في مسيرة الاتحاد الأوروبي كما قالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، فأوروبا لا تزال غير مصدقة أن زلزال الخروج البريطاني قد وقع رغم أن سنوات الجدال حول شروطه قد خففت كثيرا من حدته النفسية على الأقل.
الحقيقة أن الخروج البريطاني قد جاء في توقيت صعب للغاية بالنسبة للاتحاد الأوروبي، الذي يواجه تحديات استراتيجية بالغة التعقيد، فالمسألة لا تتعلق بالاقتصاد والاتفاقات التجارية والأمنية فقط، وهذه يمكن معالجة كثير من تداعياتها باتفاقات مشتركة تضمن للطرفين، المملكة المتحدة والاتحاد، حقوقا وامتيازات تخفف وقع الخروج، ولكن الأمر يرتبط كثيرا بمستقبل أوروبا الموحدة والمشروع الأوروبي برمته، ولا سيما في ظل التحديات التي تواجه أوروبا على صعد مثل أمن الطاقة والإرهاب والتهديدات المحتملة من قوى دولية كروسيا.
بريطانيا لم تكن على قناعة مع بداية تشكل المجموعة الأوروبية بجدوى المشروع الوحدوي، ولكن نجاحه أجبرها على الانضمام مرات عدة حتى تم قبول طلبها عام 1969، ومع ذلك ظلت فكرة الخروج تراود حكومات بريطانية متعاقبة، وبقيت النظرة الاقتصادية طاغية على رؤية بريطانيا لأوروبا الموحدة، وكان لها دوما تحفظات عميقة على الشق السياسي من المشروع الأوروبي.
ظل الاتحاد الأوروبي نموذجا ملهما لجميع التكتلات الإقليمية، رغم المعاناة وجوانب الضعف والقصور على صعيد ضعف ومحدودية الدور السياسي، فهل يستمر النموذج متألقا وينجح في معالجة آثار الخروج البريطاني؟ أم يخبو وينطفئ ويتأثر سلبا بالخروج الذي قد يتحول إلى بداية لانفراط عقد الاتحاد؟
salemalketbiar@