باسم طارق جمال

ممنوع دخول السود

السبت - 28 مايو 2016

Sat - 28 May 2016

(ممنوع دخول السود) عبارة كثر استخدامها في الخمسينات والستينات الميلادية في أنحاء مختلفة من أمريكا وأوروبا، وعلقت على لوحات في كثير من المناطق العامة من حدائق ومطاعم ومكاتب، بل وحتى بعض المدارس حيث يذهب الأطفال لتعلم القيم والأخلاق. لا أعتقد أنه يوجد في زماننا هذا وفي بلادنا من يقر هذا الفعل، حتى أن الكثير منا ذرفوا الدموع على ما تصوره لنا الأفلام والبرامج الوثائقية من ظلم واضطهاد واستبداد تعرض له السود في تلك الحقبة، ولعل آخرها فيلم حاز جوائز كثيرة وهو «١٢ سنة من العبودية». وهو يحكي قصة واقعية لرجل أسود البشرة، حر، تم اختطافه وبيعه في ولاية أخرى في الولايات المتحدة كعبد ذاق فيها ذل العبودية لمدة ١٢ سنة قبل أن يتمكن من أن ينجو من تلك المعاناة.

وبالرغم من كل تلك الدموع والأسى إلا أننا نعيش هذه العصبية ونمارسها يوما بعد يوم. ولا أقصد هنا عنصرية وعصبية اللون وإنما أقصد أشكالا متعددة من العصبية قبلية كانت، أو طبقية، بل وحتى العلمية.

أظهرت بعض الدراسات أن الناس عموما عندهم تعصب للذي ينتمون إليه، ولا ينطبق هذا على القبيلة فقط. وكذلك أشارت تلك الدراسات إلى أن الكثير من هؤلاء الناس يعتقد أنه منزه من أي شكل من أشكال العنصرية.

قبل توضيح النقطة السابقة من المهم تعريف كلمة «عصبية». فالعصبية والعنصرية تطلقان على الفكرة السلبية التي كونها الشخص عن الآخر بناء على خلفيات غير حقيقية ونقص في المعلومات، ومثال ذلك ارتباط الإرهاب في أذهان كثير من الغرب بالإسلام والمسلمين مع أن الإحصاءات والبحوث تشير إلى غير ذلك.

عادة ما تتكون هذه الأفكار والأحاسيس عند الشخص بناء على المعلومات التي تصله من البيئة المحيطة التي نشأ فيها. فمثلا فيما يخص العصبية العلمية، ترى الإنسان يتعصب للمدرسة العلمية التي ينتمي إليها، فلسان حال بعض هؤلاء «هذا ما وجدنا عليه موزنبيق» وآخر «هكذا، وهكذا فقط، نقوم بها في الكونغو أو زيمبابوي أو جزر القمر» - أفضل هكذا دون تسمية تلك المدارس بأسمائها تجنبا للحساسيات - ولم يكن يوما الإشكال في المدرسة الموزنبيقية أو الطريقة الزيمبابوية وإنما في عقلية عربية درست هناك تظن أنها أوتيت أطراف العلم وحصلت ما مداده ستة أبحر، مع العلم أنه ما ترك ذكر البحر السابع إلا من باب «إظهار التواضع». وليت هذا وذاك عملوا بما يعلمون وكفوا أذاهم عن من يعمل بما لا يعلم، ولكن عقلية لا أريكم إلا ما أرى، والتي في جذورها عصبية أن كل ما دون هذا الرأي أقل وأدنى، تأبى دون ذلك.

في مؤسساتنا ومنشآتنا تجتمع خبرات من أقصى مشارق الأرض ومغاربها وعندنا فرصة أن تكون هذه المؤسسات بوتقة تجمع أفضل ما في خبرات العالم وتخرج بمنتج مميز وفريد.

لكن إن كانت تلك المؤسسات تقصي كل ما هو مخالف للمدرسة التي تنتمي إليها ولما تعرفه واعتادت عليه فهي لا تتجاوز العنصرية والعصبية التي ذكرناها. وليعلم هؤلاء الأفراد في أي مجال كانوا من طب أو تعليم أو إدارة، أنه بعد سنين عدة، وربما عقد أو اثنين، سيحكي لنا التاريخ أو الأفلام التي ستمثل هذا التاريخ عن دورهم، وهم لن يتجاوزوا ذلك الشخص الذي سيظهره لنا المؤلف كنكرة، لا اسم له ولا لقب. ودوره لا يتجاوز وجوده خلف هذه اللوحة التي كتب عليها (ممنوع دخول الـ....) وأنه جارى التيار السائد. فعلى حسب المؤسسة، الهيئة أو حتى الدولة التي ننتمي إليها يمكن لهذه الجملة أن تكتمل بأشكال متعددة، وكل تلك الأشكال عنصرية. وهذه اللوحة موجودة ومزروعة في قلوب الكثير وسيظل خير كثير محجوب عن البلاد والعباد ما لم تنزع من قلوب البعض من أفراد ومؤسسات لنعود بالفعل كما كنا في الماضي لنا مدرستنا الإسلامية المتميزة في كل المجالات.