وحيد الغامدي

أخطر مراحل محاربة الإرهاب.. وأثقلها

الجمعة - 27 مايو 2016

Fri - 27 May 2016

في مقال الأسبوع الماضي (التصحيح الديني أم التنوير؟) طرحت خيارات التصحيح الديني المقصود في مستوى الآراء والاجتهادات التي شكّلت لاحقا مسارات للفهم بُنيت عليها الكثير من الأفكار التي سيصبح لها فيما بعد الحضور الأقوى في بناء الحركات والمذاهب والعقائد المتنوعة، وتنشئة أمزجة أتباعها وشخصياتهم تربويا .

سأحاول أن أكون أكثر عملية في هذا المقال لأضرب بعض الأمثلة التي يمكن من خلالها أن نتبيّن ماهيّة التصحيح المقصود في مستوى تلك الاجتهادات المشار إليها. سنتجوّل في أحد المراجع التاريخية التي شكّلت لاحقا الوعي الديني الذي أنتج بدوره الكثير من الأفكار التي تأخذ شكلها التراكمي حتى تنفجر في لحظة ما من امتلاك السلاح والأجندة والهدف المرسوم. ففي كتابه: السُنّة، ينقل عبدالله بن أحمد بن حنبل عن سفيان بن عيينة قوله (من قال القرآن مخلوق كان محتاجا أن يُصلب على ذباب) وذباب: جبل في المدينة. انظر: السنّة عبدالله بن أحمد تحقيق د.محمد القحطاني ج1 ص112 تحت الأثر رقم 26.

ثم ينقل عن وكيع بن الجراح تحت الأثر رقم 34 قوله: (من زعم أن القرآن مخلوق فقد زعم أنه محدث، يستتاب فإن تاب وإلا ضُربت عنقه) نفس المصدر ج1 ص 115.

ثم لننظر هنا ماذا ينقل تحت الأثر رقم 46 في قوله: (حدثني هارون بن عبدالله الحمال، حدثنا إبراهيم بن زياد سبلان قال: سمعتُ عبدالرحمن بن مهدي يقول: لو كان لي من الأمر شيء لقمت على الجسر، فلا يمرّ بي أحد إلا سألته عن القرآن، فإن قال إنه مخلوق ضربتُ رأسه ورميتُ به في الماء) نفس المصدر ج1 ص120.

في الأثر السابق رأينا كيف طبّقت داعش حرفيا تلك الدراما الموحشة، حين أصبح (لها من الأمر شيء) لنكتشف بعد ذلك أنه بثّ تربوي سيثمر ولو بعد مئات السنين من الكمون المتواري في بطون الكتب، ما لم يتم نبشه وتصحيح مفاهيمه بجرأة وحرية مسؤولة.

حين تبادر أي مؤسسة دينية بكشف هذا التراث وإعلان تصحيحه؛ كنوع من (تجديد أمر هذا الدين) الذي يتم تقريره إنشائيا دون أن نعرف ملامح ذلك التجديد وهل هو تجديد شكلي أم جوهري؟ فحين يتم ذلك فسوف نضمن عدم توالد الجماعات الإرهابية (عبر العصور) التي تجد المادة اللازمة كي تتحرك وفق مستندٍ يعطيها الغطاء اللازم والجاذبية المطلوبة لإقناع العناصر المنتمين إليها (شرعيا) بالانخراط في مشاريع الإجرام والقتل وشرعنة التوحّش.

قطع الطريق (الشرعي) للوصول إلى تلك الجماعات أولى الخطوات من أجل محاربتها بعد ذلك باعتبار جميع العوامل، فاليوم لم يعد هناك بدّ من الدخول في روح العصر وفهمه جيدا والتصالح مع شروطه الحضارية والإنسانية، وفهم أن ما كان يصلح أن يتم تسويقه في عصر (السلف) ونواحي فهمهم وإدارتهم للمعرفة الدينية وتفسيرات النصوص ليس بالضرورة أنه يحمل اليوم ذات القدر من النجاح الترويجي المفترض، بل ربما يحمل العناصر المضادة التي تعمل على المدى البعيد على إخراج الأجيال من الدين بالكليّة، وذلك ما رأيناه من حالات تمرّد صارخ عند هذا الجيل بلغت الإلحاد.

ما نقلته من أمثلة ليست إلا النزر اليسير من الكمّ المدفون في ركام التراث الذي بات اليوم أمام مفترق طرق تفرض عليه أن يحسم خياراته بين التطور والتصحيح والتجديد من أجل البقاء، أو أن تجري عليه السُننية التاريخية التي جرت على الكثير من الأيديولوجيات والمذاهب والأديان عبر التاريخ حين تصلّبت فأكلت نفسها فتخلّى عنها أبناؤها بعد معرفتهم عمليا وتجريبيا بعيوبها التي ألقت بظلالها على حياتهم.

[email protected]