الدعاة.. احتكار الجماهير والفشل في محاورتها

الاثنين - 18 يناير 2016

Mon - 18 Jan 2016

ليس من عادتي أن أتتبع الدعاة مهما كانوا ومهما بلغت درجة علمهم، ومتابعتي مواقع التواصل الاجتماعي، بالنسبة لي شخصيا، لا تتجاوز متابعة الأخبار، إن كان هناك ما يستدعي ذلك، أو قراءة أفكار الأصدقاء، أو متابعة المجتمع وتغيراته ومزاجه العام. جزء رئيسي من ذلك يمثله الدعاة، لكن يكفيني من هذا العناء أن هناك من يعيد ما يكتبونه بشكل أو بآخر، وفي ظني أن كله معاد ومعروف سلفا، شخص واحد فقط «كله ملح»، لا يصنفه الدعاة كداعية لأسباب تتعلق بموقفهم الشخصي منه، بسبب تعليقاته وتصريحاته التي تمس بشكل مباشر منطقة اعتبروها محرمة على غيرهم ولا تزال. عادل الكلباني، ما عداه، يقولون ما قاله غيرهم ويقوله غيرهم سابقا وحاليا. أحد الذين يتابعون بدقة، على ما يبدو، مواقع الدعاة في شبكات التواصل الاجتماعي، التقط صورتين لاثنين منهم، ونشرهما مقارنة باثنين من المفكرين، جميعهم الأربعة سعوديون. أشار في ما التقطه إلى أن الدعاة خلت خانة المتابعين لديهم من أي شخص، أي إنهم لا يتابعون أحدا (صفر)، بينما متابعوهم بلغوا مئات الآلاف، بينما الصورة التي التقطها للمفكرين أوضحت أنهم يتابِعون ويُتابعون. ما هي المشكلة؟ من حق الدعاة كـ»أشخاص» أن يختاروا وهذا حقهم الشخصي، مثلما هو خيار المفكر في مواقع التواصل الاجتماعي أن يختار، أدبيات مواقع التواصل كرّست حالة رقمية بامتياز وهي بدورها أفرزت أسئلتها الخاصة اجتماعيا، وطرق التحايل للحصول على موقع اجتماعي وسط هذه الثورة الهائلة وتنوعها. الثورة التي أفرزتنا «رقميا» بحيث أصبح الموقع الاجتماعي والتأثير يقاس بالأرقام، الأكثر تأثيرا والأكثر متابعة. لم تعد القيمة الحقيقية تقاس بما يقال ولا بتأثيره ومساهمته في التغيير الاجتماعي للأفضل. اختلفت أدوات القياس وتركت تأثيرها الهائل حتى على وسائل الإعلام التقليدية، ولا شيء سيقف في وجه هذه الثورة ولا تغيرها المستمر وسريع الإيقاع. المشكلة تكمن في «الرأي» الذي تجاهله الدعاة واحتفى به المفكرون، تثبت هذه الدلالة الملتقطة من معرّفات الدعاة في أحد مواقع التواصل الاجتماعي، الأكثر تأثيرا، أن الدعاة سقطوا في الفخ الذي دافعوا عن أنفسهم طويلا بصفتهم مخلوقات اجتماعية طبيعية، تحاور وتناقش وتقبل وتتفاعل. الرقم «صفر» الذي يظهر تحت ظلال الرأي الآخر في معرفاتهم يدل دلالة قاطعة بأنهم لم ولا يستمعون لأحد، يرغبون في «اتباع» ولا يبحثون عن آراء تتفق أو تختلف معهم. يريدون أن يقولوا ويحتكروا كل شيء، الوجاهة الرقمية الاجتماعية والحضور والتأثير دون أي تفاعل. محاولة الدفاع المستميتة التي أطلقها الدعاة منذ ثلاثة عقود واتهاماتهم المطلقة ضد التيارات المخالفة بأنهم للناس ومع الناس، وأن التيارات الأخرى هي التي احتكرت الرأي في الصحافة التقليدية، وأنهم لا يناقشون ولا يحاورون ولا يتسمعون، أي التيارات المخالفة لهم، صارت تكشفها هذه السلطة الرقمية المكشوفة بالأصفار. تكشفها دون رياء ولا مواربة، لغة رقمية بامتياز، لا يمكن تكذيبها أو محوها، بعيدة عن لغة الشعارات والكلام المُرسل من أجل النيل من الخصوم. اكتساح هذه اللغة الرقمية هو حق جماهيري لا أحد يعترض عليه، لكنه حق كاشف للحقائق والأدوار والمواقف. الأمر بالطبع لا ينطبق على كل الدعاة مثلما لا ينطبق على كل المفكرين أو المثقفين. لكن هذه اللفتة من نصيب أكثرهم جماهيرية وأعلاهم صوتا في الضجيج الاجتماعي والخصومات المفتعلة وكبسولات الاحتقان. [email protected]