بندر الزهراني

تساؤلات أخرى من نظام الجامعات الجديد

الاحد - 24 نوفمبر 2019

Sun - 24 Nov 2019

من الواضح أن النظام الجديد للجامعات قد أغفل مسألة الانتخاب عند اختيار القيادات الإدارية للجامعة، ولم يتطرق لذلك أبدا، لا من قريب ولا بعيد، وفي المقابل كرس لمبدأ الترشيح، وشرع له، بما لا يدع مجالا للشك والتأويل، وهو في الواقع لم يأت بجديد، وإنما أعاد صياغة النظام الحالي بما لا يغير مفاهيمه ولا يمس مواده وفقراته الرئيسية!

فعلى سبيل المثال، نجد أن النظام الجديد أعطى مجلس الأمناء حق ترشيح رئيس الجامعة، ولم يذكر ما هي مسوغات الترشيح ولا آلياته، وأعطى رئيس الجامعة حق ترشيح نوابه وترشيح عمداء الكليات وبعض أعضاء مجلس الجامعة، وأعطى نواب الرئيس حق ترشيح أعضاء المجلس العلمي وترشيح عمداء العمادات المساندة، وكذلك أعطى العمداء حق ترشيح وكلائهم ورؤساء الأقسام، وهكذا دواليك في سلسلة من الترشيح لا تنتهي!

نظام الترشيح لشغل وظائف الإدارات العليا في الجامعات يعد نقطة ضعف إدارية، وسببا رئيسيا لنشوء فرق "التشلشل" الإداري في الجامعات، ولا سيما أن الترشيح لا يقوم على معايير واضحة ومحددة، وإنما حسب الأمزجة والمصالح المتحركة، ولو أن النظام أعطى كل عضو هيئة تدريس حق ترشيح نفسه ابتداء لكان خيرا مما يفعلون، ثم إننا لو قلنا جدلا إن من حق رئيس الجامعة أو أي مسؤول اختيار فريق عمله، وبالتالي ترشيح من يراه مناسبا لإنجاح أفكاره وخططه، فهذا صحيح، ولكن كان بالإمكان انتخابه على أساس خطة عمل واضحة ومسبقة متضمنة لفريق عمله ولما يريد إنجازه والقيام به، وهذا هو الأصح، ألم يكن النظام الجديد مفصلا في مسألة انعقاد المجالس وآليات التصويت تفصيلا ديموقراطيا واضحا وصريحا! بلى، لذلك كان من الأولى أن تكتمل الصورة ويتم انتخاب قيادات الجامعة بطريقة ما تتفق مع الصورة الديموقراطية الجميلة التي لمسناها في مسألة إقرار عمل المجالس.

احتوى النظام الجديد على إمكانية تشكيل لجان دائمة من قبل مجلس الجامعة، وكنت أتوقع أن النظام قد أتى على مثل هذه العادات التقليدية وقضى عليها تماما لأنها - من وجهة نظري - يمكن أن تكون مدخلا نظاميا لتفشي نوع من الفساد المالي، تصعب لاحقا معالجته واحتواء آثاره، كيف؟ اللجان الدائمة في ظل وجود نظام واضح كوضوح الشمس لا معنى لها، ولا مبرر أو داعي لوجودها، خاصة في ظل حوكمة ستة مجالس رئيسية!

أي نعم أتفهم الحاجة لتشكيل لجنة مؤقتة لدراسة حالة طارئة وضرورية وفي أضيق الحدود ولوقت قصير جدا، ولكن لا أستطيع تقبل وجود لجنة دائمة يتمتع أعضاؤها بمزايا إدارية وأخرى مالية هم في الغالب لا يستحقونها.

إمكانية افتتاح فروع للجامعات خارج المملكة فكرة رائعة جدا، ويمكن الاستفادة منها في أمور عدة، ولكنني أتساءل: هل ستهدف هذه الفروع للربح؟ عكس الجامعات الأم التي نص النظام على أنها لا تهدف للربح! وهل سيرتبط أعضاء هيئة التدريس في الفروع بنظام العمل في المملكة أم بحسب ما تفرضه طبيعة المكان وظروف الزمان! بالطبع ستلتزم فروع الجامعات في الخارج بأنظمة البلدان التي تفتتح فيها، سواء أكان ذلك في النواحي التنظيمية، كدفع رسوم التراخيص المطلوبة أو دفع الضرائب، أو كان في النواحي الإدارية كمسائل التوظيف مثلا، وستأخذ الفروع مقابلا ماليا على الطلاب، ولن تعتمد فقط على الهبات والتبرعات والمساعدات الممنوحة لها من الدولة، وهذا وإن كان جميلا في ظاهره ومنطقيا إلى أبعد الحدود إلا أنه يتصادم شكلا ومضمونا مع ما جاء في المادة الثالثة، وأكثر ما أخشاه وأخاف منه أن تتلاشى مثل هذه الأفكار الجميلة وتنتهي هكذا وكأنها لم تكن إلا حبرا على ورق!

الشيء الجديد وربما الوحيد في نظام الجامعات الجديد هو ارتباط كل العاملين في الجامعات بنظام العمل في المملكة، وفك ارتباطهم عن نظام الخدمة المدنية بصورة تدريجية، وما عداه من بنود وفقرات وإن اختلفت صور نصوصها إلا أنها في مضامينها ما هي إلا إعادة لنظام التعليم العالي بشكل أو بآخر، شئنا أم أبينا، وكنت قبل مدة من الزمن قد اطلعت على مسودة للنظام الجديد للجامعات، ولفت إعجابي فيما اطلعت عليه مسألة تصنيف الجامعات إلى تعليمية بحثية وتطبيقية، وكنت أظن أن هذه الإضافة موجودة في النظام الجديد إلا أنني فوجئت بأنها قد حذفت منه أو ألغيت ولم تدرج ضمن مواده، وبالتالي لا جديد أراه ويمكن الحديث عنه بشيء ما يبعث الأمل في التطوير والتغيير والوصول بثقة إلى ما نرنو إليه من طموحات وما نستحقه من استحقاقات، اللهم إلا المسمى!

أخيرا، وبعيدا عن النظام الجديد للجامعات، وبعيدا عن مبدأ الترشيح، وفرق "التشلشل" من هنا أو من هناك، فإن القادة المتميزين من ذوي الطاقات الإبداعية عند ممارستهم للعمل وتطبيقهم للأنظمة أيا كانت ومهما كان مصدرها يستطيعون تكييفها بما يخدم أغراض النجاح ويرسم ملامح التفوق والتميز، فينجحون وتنجح معهم الجامعات، وهذا هو الباعث الأول على الأمل، والنافذة الحقيقية للوصول نحو تحقيق رؤى وتطلعات القيادة الحكيمة في المملكة، صحيح أننا كنا نأمل أن تكون الأنظمة واللوائح عوامل مساعدة للقائد الأكاديمي الفذ وأدوات ميسرة في يده، تعززه وتمنحه القوة للقفز فوق كل المعوقات والمثبطات، لكن قدر الله وما شاء فعل!

@drbmaz