باسم محمد حبيب

هل السومريون هم من صنعوا حضارة هارابا وهوهنجيدارو؟

الاحد - 05 مايو 2019

Sun - 05 May 2019

تعد حضارة وادي السند أحد الألغاز التاريخية الكبرى، وذلك لعدم معرفة مصدر هذه الحضارة، ومن هم صناعها؟ ولماذا خلت من القلاع والحصون فضلا عن القصور والمباني الإدارية؟ لكن رغم هذا الغموض الكبير ما زال ينظر إلى هذه الحضارة على أنها إحدى الحضارات الكبرى المبكرة، إلى جانب حضارات وادي الرافدين ووادي النيل والصين القديمة، إذ امتازت بمدنها الضخمة، ولا سيما مدينتا (هارابا) و(موهنجيدارو)، وامتلاكها لشبكة من الطرق المخططة جيدا، ونظام دقيق للصرف الصحي، فضلا عن ثرائها الذي يتضح من التحف الفنية المصنوعة من العاج واللازورد والعقيق وحبات الذهب، فضلا عن مبانيها المصنوعة من الطوب، ومما يلفت الانتباه في مصنوعاتها أنها كلها ذات حجم واحد، خاصة الأواني الفخارية والأحجار الكريمة والأدوات النحاسية، أما الأختام والأوزان فتشير إلى نظام تجاري كان خاضعا لسيطرة محكمة.

لقد اختلفت النظريات حول مصدر هذه الحضارة، من قائل إنها حضارة أصيلة نتجت من البيئة التي نشأت فيها، إلى قائل إنها نشأت أو تأثرت بحضارات أخرى، ولا سيما حضارة بلاد الرافدين، وهذا ما انسحب أيضا على هوية صانعيها: هل هم أسلاف سكان جنوب الهند الحاليون (أي الدارفيديين) أم من الهجرات الهندو - أوروبية المبكرة؟ أم من جنس آخر لم تعرف هويته بعد؟

وبتقديري المتواضع وما أعمل على تأصيله في بحوثي المقبلة أن هناك تجاهلا لصلة هذه الحضارة بحضارة بلاد الرافدين، ولا سيما في العصور السومرية، وأثر ذلك في نشوء هذه الحضارة، فعلى الأرجح لم تكن هذه الحضارة من تأثير حضارة بلاد الرافدين فحسب، بل وربما نشأت من قبلها أيضا، وأن مدن حضارة وادي السند، ولا سيما الكبيرة منها ما هي إلا مستعمرات للتجار السومريين، إذ أنشأ التجار السومريون شبكة واسعة من المستعمرات التجارية شملت مناطق واسعة من محيط بلاد الرافدين، وذلك على مدى عصور عدة، بدءا من عصر أوروك (4000 - 3200 ق.م)، وصولا إلى عهد سلالة أور الثالثة (2113 - 2006 ق.م)، ولعل الصراع الذي عبرت عنه إحدى الملاحم بين أوروك وآراتا هو أقرب مثال لهذا النوع من التوسع، إذ يحتمل أن آراتا هي إحدى مدن بلاد السند أو المناطق المجاورة لها، وهذا ما يفسر خلو مدن وادي السند من القصور الملكية والمباني الإدارية، لأنها ليست سوى مستعمرات تجارية، كما يفسر أيضا غياب التماثيل والمنحوتات وانتشار الأختام والمكاييل الخاصة بعمليات البيع والشراء، كما يمكننا بوساطة هذه النظرية أيضا تفسير انهيار هذه الحضارة في حدود عام 1900 ق.م، إذ واكب ذلك زوال الوجود السياسي للسومريين بسقوط سلالة أور الثالثة عام 2006 ق.م وما تلاه من ضعف سلالتي أيسن ولارسا بعد ذلك بمئة عام.