عبدالله العولقي

حوار الأتلانتك وخارطة المستقبل

الخميس - 05 أبريل 2018

Thu - 05 Apr 2018

لا شك أن خطوات ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الأخيرة تؤسس في منهاجها الداخلي لمرحلة مستقبلية جديدة تشهدها المملكة العربية السعودية كإعلان لدخولها منظومة العالم الأول من حيث علوم التقنية وحضارة الحداثة، كما تؤسس في المنطقة لمرحلة حديثة تتمنهج على إنهاء الصراعات المتفاقمة وإنهاء دور الإرهاب والتطرف وداعميه في المنطقة.

ما جذبني في حوار ولي العهد مع مجلة الأتلانتك الأمريكية هو مضمون إجاباته الصريحة والجريئة التي يحمل جوهرها رسالتين معا، تتوجه إحداهما للثقافة الغربية الناظرة لسمو الضيف الكبير بعين الإعجاب تجاه مشاريعه المتدفقة بقوة نحو تحقيق رؤية بلاده 2030، والأخرى موجهة نحو الثقافة العربية الناظرة لسموه بعين المنقذ للمستقبل العربي من كوارث الصراعات والطائفية والإرهاب، وقد أبدع سموه كعادته وبصراحته المعهودة في تقديم الخارطة المستقبلية للمنطقة، وذلك لحل الصراع الأكبر فيها بين العرب والإسرائيليين، خاصة أن الرياض ستحتضن أشقاءها العرب في القمة العربية المقبلة، وذلك بإعادة تقديم منظومة مبادرة السلام العربية التي تقدم بها الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، رحمه الله، عام 2002، وهذه رسالة صريحة للثقافة الغربية بأن العرب يحملون رسالة السلام ولديهم الرغبة الصادقة في إرساء دعائمه في المنطقة، موضحا سموه أن الترجمة الحقيقية للإسلام هي السلام.

وفي محور حديثه للمجلة أشار سموه إلى مفتعلي الأزمات والكوارث وأرجعهم إلى ثلاثة أنظمة تشكل مثلث الشر الذي أرهق المنطقة بمؤامراته وتدخلاته، حيث يتشكل الضلع الأول من نظام الملالي في طهران عبر أيديولوجيته البائسة (ولاية الفقيه) والتي تسببت في اندلاع الدمار والمهالك في العواصم العربية التي تمكنت من اختراقها، مشبها مرشدها الثوري بهتلر العصر الحديث، بالإضافة إلى ضلع تنظيم الإخوان الذي عاث في بلدان العرب فسادا وتسبب في ويلات الأمن والاقتصاد بين شعوبها، مستغلين هشاشة الديمقراطية للوصول إلى سدة الحكم وتنفيذ أجندتهم الإرهابية التي عانى منها المسلمون، مستشهدا سموه بأن الملك فيصل، رحمه الله، قد دفع حياته ثمنا وهو يحاول التصدي لهم بعد تغلغلهم ورفضهم تقويم مسارهم!، وأما الضلع الثالث فهو التطرف الفكري والذي أكد سموه في لقاءات سابقة أنه عازم على المضي في تدميره وإقصائه عن المملكة والمنطقة، وقد حققت المملكة في حربها على الإرهاب نجاحات متقدمة أدت إلى تضاؤله وانحساره عن المنطقة.

كما تحدث سموه عن المجتمع السعودي عبر موضوعين: المرأة والحرية الشخصية، مبينا أنه يعطي المرأة أهمية كبرى كونها تمثل النصف من المجتمع، وإن كل الذي يسعى إليه الآن هو إعادة وضع المرأة إلى الوضعية الطبيعية التي كانت عليه قبل 1979م، معطيا مثالا أنها كانت في السابق تستطيع السفر بحرية ودون شرط الولي ما دامت في صحبة آمنة، وأنه يسعى الآن إلى عودة تلك الحرية إلى مكانها الصحيح، وبالنسبة للحرية الشخصية في المملكة فهي مطلقة ولا تتقيد إلا بثلاثة خطوط حمراء، ترتكز حول الإسلام والتجاوزات الشخصية والأمن الوطني، وأنه يؤيد حرية التعبير بقوة مع عدم إتاحة الفرصة للغلاة والمتطرفين بالظهور من خلالها.

ومن خلال هذه الخارطة المستقبلية نستقي أضواء مبهجة تجاه الإصلاحات الدينية القادمة، وإقصاء قويا للغلاة والمتطرفين، وهذا سيدعم النهج السوي تجاه تحقيق الرؤية الوطنية وأهدافها، كما ستسهم الخارطة في إرساء دعائم السلام والأمن في المنطقة عبر إنهاء الصراعات والاضطرابات عبر تحجيم وتقويض أضلاع مثلث الشر، وإنهاء أدوارها العبثية مقابل دعم الشباب عبر تقديم المشاريع العربية الحضارية البديلة كمشروع نيوم والقدية، وما زال سموه يفاجئنا بأفكاره ومشاريعه المتكاملة، فحفظه الله ورعاه.