عبدالله الجنيد

رسائل الواشنطن بوست

الاثنين - 26 مارس 2018

Mon - 26 Mar 2018

حتى مع انشغال الرأي العام الأمريكي بالأفعوانية المتشقلبة المتصلة بأخبار وفضائح وتحقيقات قضائية تتصل بالرئيس ترمب، إلا أن برنامج زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان يستمر في استقطاب الكثير من الاهتمام على الصعيدين السياسي والإعلامي. ويسجل له ولفريقه حسن اختيار جريدة الواشنطن بوست لأول إطلالة له على الإعلام الأمريكي خلال جولته القائمة. الواشنطن بوست لها نصيب متصل عبر تاريخ صناعة الإعلام والسياسة منذ أن رسم لها رئيس تحريرها الفذ برادلي هويتها المستقلة. فبلاط الواشنطن بوست يخشاه البعض ويتحاشاه آخرون لأن جدران مبناها مزينة بالكثير من رؤوس الشخصيات السياسية التي استضعفت بأس صاحبة الجلالة.

الاهتمام الذي يحظى به محمد بن سلمان ـ أو كما يطيب للإعلام الأمريكي اختزاله في الحروف الأولية الدالة عليه MBS ـ لم يعد أمريكيا ولم يعد إعلاميا ولأسباب عدة، لعل أولها «هل هذا الأمير حقيقي أم إنه صناعة مال وإعلام سياسي؟»، لذلك جاءت أسئلة فريق الواشنطن بوست مستفزة ومباشرة، مثل سؤالهم عن طبيعة علاقته بصهر الرئيس الأمريكي ومستشاره الخاص جاريد كوشنر «هل يمثل كوشنر المصالح السعودية داخل الإدارة الأمريكية؟»، إلا أن سموه يتقن فنون توظيف أسئلة محاوريه لمصلحته باعتماد أسلوب الإجابات القصيرة والمباشرة ما لم تكن هناك حاجة تستدعي التوسع في الإجابة. «ما رأيكم في قرار نقل السفارة إلى القدس؟» فكان الجواب «خطوة مؤلمة جدا». لكن يبقى السؤال الأهم حسب تقديري الخاص، والذي يستشف من هذه الإجابة هنا «السعودية تمتلك 5 % من احتياطيات اليورانيوم في العالم، وعدم استخدام اليورانيوم الخاص بنا يشبه الاستغناء عن النفط».

تلك الإجابة ستشغل واشنطن حتى بعد مغادرة ولي العهد للولايات المتحدة، وستضع جون بولتون مستشار الرئيس للأمن القوي تحت ضغوط كبرى منذ الآن في تعاطيه مع الرياض.

فكيف استطاع هذا الأمير الشاب توظيف الإعلام الأمريكي بشكل مباشر في أمر كان من المفترض أن يكون من ضمن التفاصيل الخاصة بين الحكومتين؟ هل قصد من تلك الإجابة إيصال رسالة للإدارة الأمريكية وللإعلام، أم كانت لأطراف أخرى هي أقرب جغرافيا للرياض؟

العقبات في مثل هذا النوع من الملفات أمر متوقع، وهو أمر ليس بالجديد في العلاقات الثنائية بين البلدين، إلا أن على الولايات المتحدة وضع تصورات واقعية في تعاطيها مع هذا الملف الذي ترى فيه السعودية جزءا من منظومة أمنها القومي المستقبلي. وليس بمستغرب أن يكون من ضمن برامجها إنتاج الوقود اللازم لتشغيل مفاعلاتها النووية. التقديرات السعودية الأولية لمكامن المعدن تتجاوز ما نسبته 5% من المخزون العالمي لليورانيوم، وضوابط الأمان ومعايير تأمين عمليات الإنتاج والتخزين إلى النقل في مثل ذلك تخضع لمعايير موحدة عالميا. ولن يكون مقبولا وضع قيود على السعودية في حين يسمح بذلك في دول أفريقية غير مستقرة.

منطقة الشرق الأوسط سوف تعتمد على مصادر الطاقة المتجددة، بما فيها الطاقة النووية بشكل أساسي مستقبلا، وعلى المجتمع الدولي والشركاء الاستراتيجيين للمملكة العربية السعودية ودول الخليج العربية إدراك ذلك. وقد يكون من الأفضل انخراطهم في مشاريع نقل وتوطين المعرفة في كل العلوم في دولنا بدل الاستسلام لهواجس سياسية لن تكون جزءا من الحلول المطلوبة. هذا الملف سيكون عالي الحساسية لدى الإدارتين السعودية والأمريكية، لذلك قد يعهد به أو ببعض تفاصيله إلى سيد الملفات المعقدة، صاحب السمو الملكي الأمير بندر بن سلطان العارف بكل دهاليز واشنطن.