فاتن محمد حسين

رفقا بكبارنا.. يا هلالي

الاحد - 18 مارس 2018

Sun - 18 Mar 2018

في مقال استفز الكثيرين من كبار السن في مجتمعنا بعنوان: «أمهلهم الموت فوزعوه في طرقاتنا»، وذلك في صحيفة مكة الجمعة 21/‏6/‏1439، حيث تطرق فيه الكاتب أحمد الهلالي إلى خطورة كبار السن في قيادة السيارة، وأنهم يتسببون في حوادث مميتة على الطرقات، ويطالب بعقوبات صارمة ضدهم لأنهم وبال على الناس!

وحقيقة فقد اتصل بي أشخاص عدة من أولئك المعنيين وهم يتألمون من هذا الطرح، وطلبوا مني الرد، فمن وجهة نظرهم - وهي حقيقة - أن الموت والحياة تدابير ربانية بيد الله سبحانه وتعالى، وأن هناك ملكا موكلا من الله ينفخ في روح ابن آدم وهو مضغة في رحم أمه فيكتب: رزقه، وأجله وعمله، وهل هو شقي أم سعيد، وهذا مصداقا لقوله تعالى «وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا».

ونعلم أن كبار السن حتى الشيوخ منهم يقودون سياراتهم وفي جميع أنحاء العالم وليس هناك ما يمنعهم! ولكن يطبق بحقهم القانون كغيرهم، وكذلك كل من يقود سيارة في أي مخالفة للنظام.

كما أن إحصاءات صادرة من منظمة الصحة العالمية تؤكد أنه يلقى مليون وخمسة وعشرون ألف شخص حتفهم سنويا بسبب الحوادث المرورية، وأن الإصابات الناجمة من حوادث المرور السبب الأول لوفاة الأشخاص البالغين من الفئة العمرية «15-29»، وأن الفئة الأعلى نسبة في أسباب حوادث الطرقات هي «15-44 عاما»، وذلك جراء السرعة الناجمة عن التهور، والقيادة تحت تأثير الكحول وعدم استخدام الخوذ الواقية عند قيادة الدراجات النارية، واستخدام الهاتف النقال.

حقيقة إن الاندفاع والتهور وحب المغامرة ومواجهة التحدي سلوكيات تتملك المراهقين والشباب، وهذه الخصائص لا يمكن أن توجد لدى كبار السن، فهؤلاء على العكس الأكثر انضباطا بقوانين المرور، بل هم وحسب علماء النفس الأكثر خوفا وحرصا على الحياة، بل الأكثر مهارة في أداء المهارات اليدوية والإنتاج مع زيادة الثقة وقلة الأخطاء.

وإن كانت هناك فئة «مثل الثمانيني» الذي ضرب به المثل أخونا الهلالي وأنه تسبب في حادثين؛ فهذه حالات فردية ونسب ضئيلة - لا تصل إلى واحد في المئة ألف - ولا يمكن تعميمها. ولكن لا ننكر - وكما ذكر الهلالي - أن الإنسان بتقدم السن قد تضعف لديه بعض القدرات الخاصة، ويقل التركيز وتتباطأ استجابة الجسد، ولكن هذه المميزات دافع تجعله يقود بحذر شديد لتحاشي أخطائه وحتى أخطاء غيره.

فمثلا ركوب «الرولر كوستر» في الملاهي العالمية من يرتادها هم فئة الأطفال والشباب من 8 سنوات إلى 25 عاما، لأنهم الأقل اكتراثا بالحياة، والأكثر تحديا للمخاطر وشغفا في المغامرة، وكلما تقدم الإنسان في السن ابتعد عن كل ما يمثل تهديدا جسديا ونفسيا له. كما أن هناك فروقا فردية بين الناس، فنجد أحيانا شخصا سنه 75 عاما وهو يتمتع بصحة جيدة ونشاط وسلامة في الحواس والأداء، وهناك آخر ربما سنه في الأربعينات وهو يعاني من أمراض عصبية ونفسية وجسدية قد تسهم في حوادث مختلفة على الطرقات.

إذن فليس كبار السن في مجتمعنا هم من يوزع الموت على الطرقات، إنهم بركة لأبنائهم ولأسرهم وللمجتمع، وهم من قامت على أكتافهم الدولة السعودية الفتية، وحققوا إنجازات ومعجزات نحصد أثرها نحن الآن، فلهم منا كل حب وتقدير ونسأل الله أن يمد بأعمارهم بالصحة والعافية، ولن نلجأ إلى عقوبات صارمة ضدهم. وإن كان هناك شكر يقدم للهلالي فهو ما ذكره في آخر مقاله بالتنسيق مع جهات اجتماعية وخيرية لرعاية من لا يملك سائقا خاصا، وظروفه الصحية تمنعه من القيادة، فجزاه الله خيرا. ولكن أضيف له أن ذلك ينبغي أن يكون لكل من لا تسمح له ظروفه الصحية بالقيادة سواء كان مسنا أو شابا حتى نخفف من معاناتهم.