عبدالله المزهر

سنكون يوما ما نريد ..!

الخميس - 08 مارس 2018

Thu - 08 Mar 2018

مثل كل الناس، أو أغلبهم، كانت تراودني الأحلام مذ كنت يافعا صغيرا وجميلا ـ وأرجو أن تصدقوا أني كنت كذلك ـ بأني سأصبح مشهورا يعرفني كل العالم، كنت أعد العدة وأهيئ نفسي للتعامل مع حسد الناس لي، ومع غيرتهم مني ومن نجاحاتي.

المشكلة أني لم أستطع تحديد العمل الذي سأنجح في القيام به لأصبح العلم الذي تشتعل النار في رأسه.

فكرت أحيانا في الغناء، وكنت أتخيل الناس وهم صرعى لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس لشدة تأثرهم بصوتي.

كنت أغني بين أصدقائي، وكانوا يسكتون ولا يعلقون، وقد علمت لاحقا أن سكوتهم كان دليلا على صبرهم وقوة تحملهم وبأسهم أكثر من كونه دليل انتشائهم طربا. ولأن للصبر حدودا ـ على ذمة الزميلة الراحلة أم كلثوم ـ فقد صارحني أولئك الأصدقاء بأن صداقتنا على المحك، وأن أي محاولة مني للغناء في حضرتهم تعني الفراق الذي لا لقاء بعده.

فكرت في الرسم، ولكني رغم كل الجهد الذي بذلته لم أستطع تجاوز رسمة الكوخ والنخلة التي يرسمها الناس جميعا، قبل أن يتعلموا كتابة أسمائهم، ولا زلت أحتفظ بإحدى تلك المحاولات، والتي يمكن القول عنها دون تحفظ إنها عار على الرسم والورق والألوان.

حاولت إقناع نفسي بأن سبب فشلي هو أني حينها لم أشاهد نخلة ولا كوخا على الطبيعة من قبل ولكنها كانت محاولة إقناع فاشلة على كل حال لأن محاولة رسم طلحة أو «عرعرة « ـ وهي الأشجار التي أعرف ـ أمر يصعب علي حتى تخيله.

كانت الأيام تمضي وأنا أعزي نفسي بأن الأمر قادم، وكم من نابغة لم يعرف إلا بعد أن بلغ من العمر عتيا، تخيلت أني زعيم سياسي عادل ينسى العالم بوجوده سيرة عمر بن عبدالعزيز أو حتى طاغية مجرم ينسي الناس هتلر وموسوليني وبقية الرفاق، أو شاعر ينسي الناس المتنبي وأبا تمام والبحتري وبقية الزملاء. ولم أترك مجالا إلا تخيلت نفسي رائدا فيه.

في أحيان كثيرة كنت أصدق خيالاتي وأستغرب كثيرا حين أسير في الشارع ولا يلتفت إلي أحد، ويدهشني تجاهل الناس لي وعدم اكتراثهم بوجودي.

ثم إنه حين دب اليأس في عقلي وآمنت بأني سأموت يوما «ولا يدري بموتي أحد»، وأقنعت نفسي بأن الحياة في الظل أجمل بكثير من الحياة تحت الضوء، بدأت الشهرة تصبح أسهل بكثير، أسهل إلى الدرجة التي ربما يأتي اليوم الذي يصبح فيه كل الخلق مشاهير وأعلاما دون أن يفعلوا أي شيء أو يبذلوا أي مجهود حتى في خيالهم كما كنت أفعل.

وعلى أي حال ..

أظنني سأشتهر يوما ما بأني المشهور الذي ليس لديه أي موهبة ولا يعرفه أحد ولا أحد يعرف ماذا فعل. وقد قيل بأن الرغبة في الشهرة كغاية هي أعلى درجات التفاهة، وقيل أيضا إن الرغبة في الشهرة هي الرغبة في أن يموت المرء مكروها ولا يموت منسيا، ولكن لا تصدقوا كل ما يقال!

@agrni