محمد أحمد بابا

ماذا سنفعل بك؟

السبت - 24 فبراير 2018

Sat - 24 Feb 2018

ما قال لي طبيب يوما وهو يشخص حالتي المرضية: ما رأيك أن نتفق على خطة علاج؟

ما قال لي معلم يوما وهو يرى في وجهي صعوبة تعلم وغباء: ما رأيك لو وجدنا وقتا نتشاور فيه كيف نتعلم؟

ما قال لي شرطي مرور يوما وهو يرمقني بحنق في حادث مروري: ما رأيك لو قمنا بمراجعة سيناريو ما حصل؟

ما قال لي موظف حكومي أزعجته بتكرار مراجعتي يوما: هل هناك خدمة تتوقعها مني تود أن أقدمها لك وأساعدك فيها؟

ما قال لي يوما مهندس مدني يخرج ضجرا لمراقبة بناء منزلي الحلم: هل ممكن أن أعطيك تصورا أراه الأفضل ولك حرية القبول؟

ما قال مضيف يضيفني يوما في بيته وهو يأخذ بيدي لمجلسه الوافر: ما رأيك أن تجلس هنا في صدر المجلس حيث الراحة أو هنا حيث الشباك؟

ما قال لي بائع الخضار يوما وهو ينظر إلى جيبي أكثر من متابعته لبضاعته: هل ستزورنا مرة أخرى لترى الجديد الذي سنجلبه للزبائن؟

ما قال لي أحد يوما وهو يطلب مني تحديد موعد للقاء أو اجتماع: في هذه الأوقات أكون مستعدا لك فربما يناسبك أحدها فتختاره؟

ولا (أنا) قلت ذلك يوما!

فمضى جل العمر لا أدري ماذا سيفعل بي، ولا ماذا سأفعل بهم.

لكنني تعلمت فبدأت فوجدت أن كثيرا من الفشل في: «حشر المخاطب في زاوية، الاستعلاء في الطلب، انعدام الخيارات، فقدان الشخصية الذاتية، سوء الخلق».

لكن عدم إتاحة الفرصة لبعض مساحة في الاختيار هو أم المعضلات في التعامل مع العلوم والمعارف، مما جعل برنامج «من سيربح المليون» في أول ظهور له قبل زمن فاكهة الخيارات للعامي والمتعلم على حد سواء، وكذلك عدم فضفضة المجال لبعض امتيازات تخيير هو رأس المشكلات في مبدأ خذوه فغلوه، وهو باب الفواجع في التراشق بالتهم وإيجاد شماعات التنصل من المسؤوليات.

اليوم وقد تأكد العقل الجمعي في المجتمعات بأن المشاركة في قرارات النفس لذات النفس هو متنفس الحرية الأصلية للإنسان، بات الكل يشتكي من أنه لم يكن يعلم، وبأنه لم يعط خبرا قبل البدء، وبأنه لم تتح له فرصة التفكير، بل ويشتكي آخرون بأنه لا توجد خيارات أخرى.

من يعود لنمط أدبي في تراثنا العربي يجد مبدأ «حبذا» ومبدأ «ماذا لو» ومبدأ «كيف لو كان كذا» وما ترادف معها من تراكيب قد فتح المجال للاحتمال، فأضحى ذلك حينها كثيرا ومستساغا، وهو ما يعول عليه في القناعة بشيء، أو تأكيد رفضه، وصولا للامتثال أو التغيير.

أما ألا تتحرك التعاملات في مجالات الخدمة البشرية المتبادلة بين الناس نحو سؤال المستفيد إلا تقليد أعمى في تقييم يطلب منك بعد تلقي الخدمة على استحياء فإن ذلك من ضروب فرض الأمر الواقع قبل أن يكون واقعا.

ماذا يضر أما سألت طفلتها أي هدية تفضلين لنجاحك؟ ماذا يضر مديرا سأل موظفا لديه أي برنامج تدريبي تعتقد أنك بحاجة له؟ ماذا يضر إمام مسجد سأل المصلين كم من وقت للقراءة تطيقون؟ ماذا يضر زوجا سأل زوجته هل يناسبك يوم كذا أدعو فيه زملاء لي؟

مع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد من يقتدى به حتى في مجال الانتصار والفتح والغلبة والهيمنة قال: ما تظنون أني فاعل بكم؟ فما أجمل اختيارهم، وما أرحم اختياره صلى الله عليه وسلم.

في اعتقادي بأن قاعدة أسميها «الاستفسار يولد الاختيار» ذهبية النفاذ للمبتغى، حين يكون الهم جودة إنتاج التفاعلات الإنسانية لنهضة قوم ورقي مجتمع، أما حين يكون المهم هو «اشتغل وأنت ساكت» فهنا: سأسكت.

albabamohamad@