فاتن محمد حسين

من ينقذ النملة المجتهدة في الدور الإيوائية؟

الجمعة - 23 فبراير 2018

Fri - 23 Feb 2018

في صحيفة المدينة بتاريخ 24 /5 /1439 جاء خبر - أشعر بغرابة محتواه - وهو: تأهيل 30 مشرفا ومشرفة في الفروع ومكاتب الإشراف التابعة لوزارة التعليم في الرياض للملتقى الأول الذي استهدف تأهيلهم لتحسين وتطوير الأداء لمنظومة البرامج والأنشطة في الدور الإيوائية للأيتام والأحداث والمعاقين والمسنين. وهنا تبرز الكثير من علامات التعجب؛ لأن الدور الإيوائية للأيتام والأحداث والمعاقين والمسنين كلها تتبع لوزارة العمل والتنمية الاجتماعية، وهي التي تشرف عليها، ولديها أخصائيون وأخصائيات على مستوى عال من الكفاءة والمهنية، لأن هذه الفئات تحتاج إلى تخصص دقيق؛ فالمعاقون يحتاجون إلى خريجي أقسام التربية الخاصة، «والأحداث» لهم أخصائيون في علم النفس الجنائي، والأيتام يحتاجون إلى أخصائيين في علم النفس الاجتماعي.. وهكذا. فكيف يشرف على هؤلاء مشرفون من التعليم وليس لديهم التخصص الدقيق الذي يؤهلهم لمباشرة الحالات؟ وسؤال آخر: هل ينقص إدارات التنمية الاجتماعية تلك الكفاءات والمؤهلات!؟ ألا يعتبر ذلك نوعا من التداخل في الاختصاصات والازدواجية بين وزارة التعليم ووزارة العمل والتنمية الاجتماعية؟ وسؤال آخر مهم: هل ينقص المشرفون والمشرفات أعمال إضافية تستهلك ما تبقى لهم من طاقة وقوة؟ وهل فعلا لديهم الوقت للإشراف على الدور الإيوائية؟

لقد ذكرني هذا الإجراء بإجراء آخر مشابه حينما تم تشكيل لجان من المشرفات التربويات بمكة المكرمة عام 1436 للإشراف على الانتخابات في مؤسسات الطوافة في لجان القيد وصالات الاقتراع، وكأن وزارة الحج أو مؤسسة الطوافة ليس لديهما الكوادر البشرية المؤهلة والقادرة على إدارة دفة التنظيم!

أو أن نفقد الثقة بهؤلاء لتوفير عناصر خارج المنظومة لإدارة العمل.

بل حقيقة - وحسب خبراتي في الإشراف التربوي - فإن المشرف التربوي لديه الكثير من المهام والأعمال التي لا تعد ولا تحصى.

فإذا علمنا أن وزارة التعليم قد وضعت مؤخرا ما يسمى بـ «منظومة ومؤشرات قيادة الأداء الإشرافي» والتي من خلالها تسعى لضبط ومراقبة مؤشرات قيادة المعلمين، ومؤشرات للأداء المدرسي، وأخرى لأداء رؤساء الأقسام والإشراف التربوي لضبط المخرجات التعليمية من خلال مراقبة سير المدخلات، وهذه المنظومة أكثر من مئة صفحة تركز على كل جوانب العملية التربوية والتعليمية، وهي لم تكتف بمراقبة تحصيل الطالب العلمي، بل امتدت لتشمل سلوكياته وقيمه التي اكتسبها، فكيف لمشرف يأتي لحصة واحدة أو حصتين للمعلم أن يطلع على سلوك الطالب ويقومه، وبناء عليه يقوم المعلم على مدى تأثيره على سلوك الطلاب وأخلاقهم! بل إن المشرف سيكون ومنذ بداية العام الدراسي مسؤولا عن غياب الطلاب، وأدائهم للصلاة، وأدائهم النشيد الوطني.. و..إلخ.

وكان الأجدر أن تكون هناك ثقة في القيادة المدرسية، وأن يكتفى بما يقدمه «قائد المدرسة والمشرف الإداري» من تقارير تسجل في نظام نور، ولا يطلب ذلك من المشرف التربوي الفني الذي يكفيه ما يشرف عليه من عمليات التعلم والتقويم والقياس، ومدى ابتكار المعلم في حصته ومساعدته للطلاب على التعلم النشط، واستخدامهم لمهارات التفكير الإبداعي والناقد، ومهارات حل المشكلات واتخاذ القرارات.

أخيرا، إن كانت ما تقوم به وزارة التعليم في الإشراف على الدور الإيوائية هو إضافة إلى ما تقوم به الجهات المختصة وهي: مراكز التنمية الاجتماعية ومراكز المتابعة، والإشراف الاجتماعي، فهذا يذكرني بقصة النملة المجتهدة التي تتجه كل صباح إلى عملها بنشاط وهمة وسعادة، فتنتج وتنجز الكثير، ولما رآها الأسد تعمل بكفاءة متناهية دون إشراف؛ قال لنفسه «إذا كانت النملة تعمل بكل هذه الطاقة دون أن يشرف عليها أحد، فكيف سيكون إنتاجها لو عينت لها مشرفا؟ وهكذا قام بتوظيف الصرصار مشرفا على أداء النملة، فكان أول قرار له هو وضع نظام للحضور والانصراف، وتوظيف سكرتيرة لكتابة التقارير، وعنكبوت لإدارة الأرشيف ومراقبة المكالمات التليفونية. كرهت النملة المجتهدة كثرة الجوانب الإدارية في النظام الجديد والاجتماعات التي كانت تضيع الوقت والمجهود، وعندما شعر الأسد بوجود مشكلة في الأداء قام بتعيين الجرادة لخبرتها في التطوير الإداري، فكان أول قراراتها شراء أثاث جديد من أجل راحة الموظفين، كما عينت مساعدا شخصيا لمساعدتها في وضع الاستراتيجيات التطويرية وإعداد الميزانية.

وبعد أن راجع الأسد تكلفة التشغيل، وجد أنه من الضروري تقليص النفقات كما توصل إلى أن القسم يعاني من العمالة الزائدة، فقرر الأسد فصل النملة لقصور أدائها وضعف إنتاجيتها!

فهل من منقذ للنملة المجتهدة في الدور الإيوائية؟

Fatinhussain@