أحمد الهلالي

والشعر أقعدنا عن العلياء!

الثلاثاء - 06 فبراير 2018

Tue - 06 Feb 2018

(العرب أمة شاعرة/ الشعر ديوان العرب/ تغن بالشعر إما كنت قائله) ورثناها وغيرها من المقولات الكثيرة عن ارتباط الأمة العربية بالشعر، فمضينا نستهلكها باستمرار، ولو أمعنا النظر في جميع أمم الكون؛ سنجدهم اهتموا بالشعر، ووثقوا تاريخ حضاراتهم بالملاحم الشعرية الشهيرة من قبل العرب، وما تزال أممهم تهتم بالشعر، لكنه اهتمام متوازن مع غيره من اهتمامات المجتمعات والحضارات.

قلبت نظري متأملا المشهد الشعري العربي والخليجي والسعودي، فوجدت تنافسا محموما على إطلاق الجوائز الشعرية والأدبية عامة، وتزاحمها بشكل لافت، حتى لم يعد مفاجئا فوز شاعر أو أديب بجائزة ما، فهو خبر عابر لا يستوقف الكثيرين، يشبه تماما فوز شاب بجائزة في جامعته أو مدرسته، وتزداد الحمى بإنشاء قنوات تلفزيونية متخصصة، ومواقع وموسوعات الكترونية، ومعاجم مطولة، وملتقيات ضخمة، وتتطور الحمى إلى إنشاء أكاديميات شعرية متخصصة، تعيد تقليب دراسات الشعر، لربما تبحث في تهويمات الشعراء عن مخرج لأزمتنا الحضارية البليغة!

لا أدري حقيقة ماذا تقدم هذه الحفاوة (المحمومة) للحركة الشعرية العربية؟ وما مردودها على الشعر ذاته؟ فلا جديد على الساحة مطلقا؟ ومعظم النتاج المعاصر متشابه في معاجمه وأساليبه وصوره وموسيقاه، فلو أرسلت عشر قصائد غفلا (دون أسماء شعرائها) إلى عشرة من أكبر نقاد الشعر العرب والمشتغلين به، فإني (أتحداهم) أن ينسبوها إلى أصحابها بنسبة 50%.

على الجهة المقابلة يندر أن تسمع عن مسابقة (فيزيائي العرب أو كيميائي أو جيولوجي أو مخترع أو طبيب أو مطور أو مفكر أو فيلسوف أو مبرمج) وغيرها مما يواكب عصرنا العلمي (المتسارع)، عصر ألمعيي العلوم التطبيقية والتقنية الذين لا يرون في القمر وجوه حبيباتهم، ولا في النهر دموعهم على الفراق، ولا يتوقفون عند تهويمات الشعراء، فحتى الآداب والفنون في منظورهم لم تبق حبيسة موضوعاتها، بل جازتها نحو العلمية لتتناغم مع إيقاع العصر وأدواته.

إذا كان أبو نواس قد سخر من العربي الواقف يسائل طللا باليا، في قوله:

عاج الشقي على رسم يسائله

وعجت أسأل عن خمارة البلد

فيحق لي أن أقول:

نام الشقي على شعر يقلبه

وعالم اليوم يوري النار بالبرد

نحن في حاجة لمكاشفة صادقة للالتفات لجيل اليوم، وتطلعاته واحتياجاته، فقد تجاوزنا، وتجاوز معارفنا وآدابنا، فصرنا الرقم الثاني في قراءاته ومفضلاته (فنا ورياضة وأدبا)، أما العلوم فلا ترتيب لنا في خياراته؛ لأننا نهمش هذا الجانب، ونظل نردد (الشعر ديوان العرب)، وشعرنا حقيقة صار حتى لا يعبر عن عصرنا ولا تقنياته، فمن النادر جدا أن تجد صورة شعرية شائعة تستخدم (البايت أو النانو أو الليزر أو الكهروميغناطيسية أو الإلكترون) أو حتى فنتازيا الخيال العلمي، بل القوم عاكفون عند (السيف والشجرة والقمر والغيمة والوردة والمها الوضيحي والدم الأحمر).

أدعو الجهات الأكاديمية والعلمية والصناعية إلى الخروج عن صمتها وعزلتها، والظهور إلى الواجهة الاجتماعية، فعصرنا بحاجة ماسة إليكم وإلى بناء ثقافة جيل العصر علميا، وجعل العلوم التطبيقية والتقنية ثقافة وهاجسا عاما، من خلال برامج تبسيط العلوم والمسابقات العلمية والتقنية الجماهيرية، والملتقيات العلمية العامة، فأقصى ما أستطيعه كمتخصص في الأدب أن أكتب هذه المقالة، ثم سأعود إلى الشعر، شاعرا ومتذوقا ودراسا ومدرسا، وسأنظر في مداخلاتي الإعلامية للجوائز الشعرية ومردودها المعنوي على الشعراء والأمة ـ كما يفعل الأصدقاء ـ وربما أطالب أرامكو بإطلاق جائزة أو أكاديمية شعرية مرموقة!

ahmad_helali@